عندما قال السيناتور الأميركي ريتشارد بلاك .. “إن واشنطن أرادت سرقة قمح السوريين لتجويعهم، وسرقة الغاز والنفط السوري بهدف شل نظام النقل في البلاد وتجميد الناس في الشتاء” من البرد، لم يكن يكشف خبايا السياسة الأميركية التي نعلمها نحن السوريون جيداً، ولكنه كان اعترافاً بالفم الملآن بجريمة العصر الأميركية التي تستوجب الحساب.
فهو أقر أيضاً بأن الولايات المتحدة لجأت إلى فرض الحصار الاقتصادي ضد الشعب السوري تحت اسم “قانون قيصر” لخوفها من أن تخسر سورية بالكامل بعد كل ما قامت به ضدها، فواشنطن لا تستطيع التسليم بسهولة بالخسارة والهزيمة أمام شعب “واجه ثلثي القوة العسكرية العالمية”، حسبما قال بلاك، وهي لم تستوعب بعد كيف استطاع شعب لايتجاوز تعداده 23 مليون سوري أن يصمد في وجه هذه القوة العسكرية لعقد من الزمن!.
لقد أرادت الولايات المتحدة أن تجعل السوريين يقاتلون من أجل لقمة عيشهم أو يموتون جوعاً، وبالتالي منعهم من التفكير بإعادة بناء وطنهم الذي دمره الإرهاب، وإلهائهم بقوت يومهم عن بناء مستقبلهم وهذا ما يحصل اليوم، فالسوري مشغول بتأمين أسطوانة الغاز وأرغفة الخبز لعائلته، يفكر متى سيأتي دوره لتعبئة 50 لتراً من المازوت لا تكاد تقيه وعائلته أياماً معدودة من برد الشتاء، أليس هذا ما كشف عنه السيناتور الأميركي؟!.
لكن هل انكسر السوريون رغم كل ذلك؟ وهل حادت بوصلتهم في الدفاع عن وطنهم؟ نعلم أن الوجع الذي يعاني منه معظم السوريين مؤلم حد الصراخ، وأن الصبر الذي تمسكنا به عقداً من الزمان ونيف يكاد ينفد ولكن لن يفعل، وأن شدّ الأحزمة على أشده فيما يتعلق بما يمكن للأسرة السورية أن تأكل بفعل انخفاض الدخل، لكن رغم كل ذلك ورغم الآلام يزداد السوريون تمسكاً بالوطن والدفاع عنه إنتاجاً وفكراً وسلوكاً وانتماءً.
نعلم أن الاستخبارات الغربية والأميركية تراقب نتائج حربها وحصارها الإجرامي عبر جواسيسها وطوابيرها عن كثب، تحركهم في اتجاهات معينة لتقيس صبر السوريين وترصد سمت أنفاسهم، لكنها إلى اليوم تتعجب من قدرتهم على التحمل وإفشال المعادلات العلمية والنظرية والافتراضية التي وضعها الغرب لإركاعهم.
ما حصل في السويداء بالأمس، لا يعبر عن أهلها وقيمهم الوطنية التي عرفناها دهراً، وما يعانون منه ليس أكثر مما يعانيه السوريون في محافظات الوطن المنهوب قسراً من الأميركي وأعوانه، بل إن ما جرى هو ذاك النوع من التحريك والتحريض للطابور الخامس تحت مسمى ضغط الظروف المعيشية، وهو ليس جديداً في المحافظة أو غيرها من أرجاء الوطن، لكن لن تكتب له الحياة ولن يسمح له أهل السويداء بالمرور باسمهم مهماً كان.
لا تستطيع معاناتنا اليومية مع تأمين أرغفة الخبز أن تجعلنا نكفر بوطننا الذي افتديناه دماءً، أو أن ننسى المجرمين الحقيقيين الذين تسببوا بكل مصائبنا، ولن يستطيع غياب الكهرباء والغاز والمازوت أن يحرف بوصلتنا عن العدو الحقيقي الذي يسرق غازنا وقمحنا من أجل تجويعنا وإركاعنا بعد أن فشلت آلته العسكرية في كسر إرادتنا وإرادة جيشنا على مدى عقد من الزمان.