الملحق الثقافي- أحمد علي هلال:
في واحدة من المفارقات أن تجد كتاباً مذيلاً بإهداء الكاتب ملقى على كتب الرصيف، ككائن غريب لم يعد له صلة بقارئه وكاتبه بآن، ربما تشكل هذه المفارقة واحدة من مفارقات كثيرة بصدد مصير الكتب المهداة، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق أن ذلك المصير شامل فثمة من يحتفظ بالكتاب لجمال إهدائه وندرته، ولاسيما إذا كتب مؤلف الكتاب إهداءً بحلة أدبية بليغة، لعلها تشكل لدى المهدى إليه بوصلة للقراءة، أو استبطاناً من المؤلف إلى القارئ بأهمية هذا الكتاب وضرورة قراءته، إذ يتلامح هنا البعد العاطفي وينصهر بالبعد المعرفي، وعلى ذلك فإن الإهداءات بالقراءة السيمائية لها وظيفة انتباهية دالة، فهي عتبة ضرورية ولا ضرورية في آن لطالما أنها تنطوي على محاولة المؤلف تكثيف كتابه بجملة كمن يعتصر الوردة ليستخلص منها العطر، وكمن يسكب البحر في زجاجة، فبعض هذه الإهداءات قد تمثل توسلاً من الكاتب لا يعني شرح كتابه أو تكثيفه، بقدر ما يعني في حيز ضيق جرياً على عادات عمومية بوصف الكتاب هدية فحسب، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة أن حفلات توقيع الكتب التي تجري في المنابر والمراكز والملتقيات، وحتى بيوتات الثقافة أنها احتفاء بميلاد كتاب، وستتداخل في هذا الاحتفاء تقاليد مجتمعية جديدة، أي إضافة نكهات موسيقية غنائية، وذلك سيخلص للشكل فحسب وليس لجوهر الكتاب، لأنه ما من قراءة نقدية سوف تتسع لهذا الحفل، فالنقد في مكان آخر، وما سوى تقاليد جديدة تعني الفرح بهذا الإنجاز بمعنى من المعاني، وتعني أيضاً حملة دعائية ترويجية يقوم بها أصدقاء (الكاتب أو الكاتبة) أو المقربين منهما، تستهدف لفت الأنظار لهذا المنتج، إلا أننا يجب أن نفصل هنا بين الندوة النقدية بخصوص المنتج، وتوقيع الكتاب، وما يصاحب هذا التوقيع من كلمات الإطراء والأطناب والمديح، بعيداً عن سلوك نقدي بعينه ما خلا جملاً عابرة تتقنع بالنقد، والأدل هنا ما يمكن قوله: إننا لا نستطيع فصل هذه المكونات عن بعضها على الرغم من طغيان الاحتفاء وتهرب النقاد من الأحكام النقدية إلى الأحكام العامة ليتكلموا مثلاً في الظاهرة الإبداعية أكثر مما يتكلموا عن رواية أو مجموعة شعرية، صحيح أن ذلك سيبدو من قبيل الضرورة الاجتماعية والمعرفية، لكن الأمر لا يستقيم إلا بتحديد المعايير الناظمة لهذه العملية، ذلك أنها قد دخلت في سوق وبكل ما تنطوي عليه كلمة سوق من معنى، والأدب بقيمته يتطير من مفاهيم السوق إلى أن يصبح ميداناً للحوار المنتج والخلاق، هي إذن ظاهرة فحسب ستعني كل شيء وقد لا تعني شيئاً على الإطلاق.
العدد 1124 – 13-12-2022