الأدب هل يغير العالم ..؟

الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:

تتكشف الكثير من أوراق الفيلسوف الفرنسي سارتر من خلال البحث والمحاضرات والرسائل التي شارك بها أو أرسلها , والكتاب الفرنسيون دائمو المتابعة لهذا الأمر فقد اطلقوا على القرن العشرين اسم «قرن سارتر».
وحسب هؤلاء فإن جان بول سارتر لم يكن فقط من أكثر المفكرين صولة وجولة إنما كان صاحب مدرسة وتياراً فلسفياً أخلاقياً لاتزال رياحه تعبث بالتراث الإنساني بشكل عام والأوروبي بشكل خاص.
فقد نشرت دار غراسيه «محادثات» جرت بين سارتر وجون جيراسيه مابين أعوام 1970-1974 يتحدث عنها باستفاضة ميشيل أونفري الفيلسوف الذي أسس الجامعة الشعبية في كين عام 2002 وله نحو أربعين مؤلفاً كان آخرها «غروب صنم» عن فرويد.
وتعتبر هذه «المحادثات» لسارتر وثيقة مهمة لايمكن تجاهلها حول مواقف فيلسوف ترك بصمات عميقة في الفكر الإنساني والدراسات الأكاديمية وفيها يتهم سارتر عدداً من الأقلام الأوروبية بالانحياز إلى «إسرائيل» مثل كلود لانزمان ودانييل كوهين بنديت.
يقول سارتر عن بنديت: «إنه أبعد مايكون عن التميز والذكاء، لم أكن أحبه» وبنديت هذا يشغل اليوم منصب نائب في البرلمان الأوروبي عن حركة الخضر (أنصار حماية البيئة).
أما بالنسبة للفلسطينيين فقد وقف سارتر إلى جانبهم عام 1972 حين قال: الفلسطينيون لايملكون خياراً آخر وذلك لافتقادهم السلاح ولمن يدافع عنهم لذا فهم يلجؤون إلى خيار العمليات الفدائية ويتابع سارتر: ماحدث في ميونخ له مبرراته لأن الرياضيين «الإسرائيليين» الذي جاؤوا للمشاركة في الألعاب الأولمبية آنذاك كانوا مقاتلين وجنوداً وهم إرهابيون إسرائيليين.
وعن رأيه بالكاتب كلود لانزمان الصهيوني النزعة فيصفه بالبرجوازي الذي ينشد المدائح «لإسرائيل» دون أن يرى مايحدث للفلسطينيين المساكين الذين طردوا من أرضهم التي تم الاستيلاء عليها دون أي تعويض واقتلاع أطفالهم من المدارس والتحرش بهم صباحاً ومساء أيضاً تعرضهم للضرب المبرح على أيدي غرباء مسلحين وبحسب سارتر فإن لانزمان يرى أن الإسرائيليين هم ضحية المحرقة وأي إنسان ينتقد السياسة الإسرائيلية هو مناهض للسامية.
ويستنتج ميشيل أونفري من تلك التصريحات وسواها أن سارتر يوجد الشرعية للفلسطينيين كي يسلكوا هذا المسلك.
ومما جاء في «المحادثات» أن سارتر دافع عن كيم إيل سونغ أيضاً وقف إلى جانب التدخل الفرنسي في إسبانيا، كما امتدح سياسة كوبا الكاستروية بالقول: كي تنجح الثورة يجب أن تذهب إلى نهاية الطريق، كما وجد أكثر من مبرر لاتفاقية الصلح (جرمانو سوفييتية)، وفي عام 1947 أيد سارتر الاتحاد السوفييتي ومواقف دول المنظومة الاشتراكية آنذاك كما وقف إلى جانب سياسة ماوتسي تونغ في الصين ونشر ثمانية عشر مقالاً يؤيد سياسة كاسترو ويأسف لأن الحزب الشيوعي الفرنسي لم يصل إلى السلطة في أيار عام 1968، وينتقد سارتر غريمه الفيلسوف المدعي ريمون آرون فيقول عنه: إنه كاتب من الدرجة الثانية لابل هو إنسان غبي.
أما الأحزاب اليمينية الأوروبية فقد استخدمت الإرهاب وستبقى (بحسب سارتر) تستخدم الإرهاب للتصدي لأي عمل مقاوم.
ما كتبه سارتر في «المحادثات» يلتقي مع مؤلف شهير له عنوانه «مواقف» نشر الجزء الثاني منه عام 1948 وهو عبارة عن مقالات نشر عدد منها في مجلة «الأزمنة الحديثة» كان يسلط الضوء فيها على مواقف الأدباء من المجتمع، أما الجزء الأول من «مواقف» فقد كتبها سارتر عام 1945 وكانت عن التزام الأديب في خدمة الإنسان.
الجزء الثاني منها كان له عنوان: «تأميم الأدب» وفيه تعرية لمخاطر تعرض الأدباء للاسترخاء تحت وطأة الجوائز والتكريم الشعبي، أما الجزء الثالث منها فيعتبر مكملاً ل «المحادثات» التي نشرت والتي تجيب على أسئلة عديدة منها: ما الأدب؟ ما الكتابة؟ ولماذا نكتب ولمن نكتب؟
ومن خلالها يحلل سارتر علاقة الكاتب بالمجتمع، يقول سارتر: في القرن السابع عشر كانت وظيفة الأدباء أن يعكسوا مرآة النخبة في كتاباتهم وهي مرآة نفسية أكثر مما هي اجتماعية.
أما في القرن الثامن عشر فقد أدّى الأديب دوراً نقدياً بامتياز انسجم مع الشكوك التي انتابت الطبقة الارستقراطية وما تلاها من مطالب البرجوازية الصاعدة وغدا الأدب ترجمة لهذا الفكر.
وعندما انتصرت البرجوازية في القرن التاسع عشر انسلخ الكاتب عن تلك الطبقة التي ارتبط بها في مرحلة سابقة ليؤسس لقيم أدبية جديدة.. هكذا وجدها سارتر في أعمال بودلير وفاليري وفلوبير ومالارميه وجيد..
ولتغدو السوريالية نهاية هذا الطريق المسدود كتب يومئذ يقول منتقداً التيار السوريالي:
لم يبقَ أمام الأدب إلا الاكتفاء بذاته.
يقول أونفري: لقد شكلت المواقف السارترية محطة مهمة في القرن العشرين وبالنسبة لسارتر لم تكن الرواية والوصف والشرح تكفي بل على الأدب أن يشارك في العمل وفي تغيير العالم، لذلك نجده هاجم المجتمع البرجوازي وابتعد عن الحزب الشيوعي الذي كان من أشد أنصاره ليعلن استقلالية مواقفه السياسية والتزام الأديب ومسؤوليته عما يجري في العالم.
العدد 1124 – 13-12-2022

آخر الأخبار
شركات رائدة تفتح آفاق الشباب في "ملتقى مهنتي المستقبلية" "للأونروا" د. سليمان لـ "الثورة": الإصلاح الصحي بتمكين الأطباء الموجودين علمياً عيون ترقب أولويات وضمانات الاستثمار ..هل تكون سوريا القبلة الأولى ؟ بمشاركة 100علامة تجارية.. مهرجان النصر ينطلق غداً في الكسوة    الأطفال أكثر إصابة.... موجة إسهال تجتاح مدينة حلب الامتحانات تطفئ الشبكة .. بين حماية النزاهة و" العقاب الرقمي الجماعي " ! خطر صامت يهدد المحاصيل والماشية.. حملة لمكافحة "الباذنجان البري" بحلب  التحول الرقمي ضرورة لزيادة إنتاجية المؤسسات  الدولار.. انخفاض طفيف وأونصة الذهب تسجل 42.5 مليون ليرة "مياه اللاذقية": ٢٠٠٠ ضبط مخالفة مائية وإنجاز خمسة مشاريع رئيسة سلام: تعاون مباشر مع سوريا لضبط الحدود ومكافحة التهريب مع عودة "سويفت" لسوريا.. هل يتم الوصول للخدمات المالية الدولية بسهولة وشفافية؟ ما وراء إيقاف استيراد السيارات المستعملة؟ قرار ترامب.. باب في سور العقوبات حول دمشق أم هدم له؟ تشغيل وإحداث 43 مخبزاً في حلب منذ التحرير منتدى تقني سوري ـ أردني في دمشق الشهر الجاري   توعية وترفيه للحد من عمل الأطفال بريف القنيطرة إزالة بسطات وأكشاك في جبلة بين أخذ ورد خطوة للأمام أم تراجع في الخدمات؟  السورية للمحروقات تلغي نظام "الدور الإلكتروني" للغاز   معامل الكونسروة بدرعا تشكو ارتفاع تكاليف الإنتاج..  المزارعون: نحن الحلقة الأضعف ونبيع بخسارة