خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان:
قدمت ساحة المقاومة العربية نماذج مشرفة في سجلات الشهداء الأسرى، وتخليدا لذكراهم وتمجيدا لنضالهم العظيم استوجب تأبين هذه النماذج التي قدمت للأجيال أهمية مشروع التحرر العظيم ورمزية قضيتهم التي ناضلوا واستشهدوا من أجلها، فطوبى لهم وحسن مآب، وما أجمل أن يجمع بين الشهيدين القنطار وقرينه بالأسر ناصر أبو حميد رمزية نضالية تمثلت في فترة الاعتقال التي تجاوزت الثلاثة عقود وتعتبر أكثر من نصف أعمارهم واللافت أن الشهيد الفلسطيني ناصر أبو حميد ارتقى شهيدا في ذكرى رحيل رفيق نضاله اللبناني الشهيد سمير القنطار عميد الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني بتاريخ ١٩ ديسمبر، فهذه الرمزية النضالية التي جمعت الشهيدين سجلت علاقة مشتركة بينهما لتعلن للعالم الحر أن قضية التحرير باقية وخالدة وتقدم إضاءآت تاريخية وسلاسل ذهبية من الشهداء سيعمد عليها مشروع التحرير العظيم .
سمير القنطار وناصر أبو حميد تعرضا للأسر لفترة تجاوزت الثلاثة عقود وقد تشرفت أسماؤهم بحمل راية النضال في سن مبكرة وليس غريبا على جينات الأبطال الشرفاء في ذاكرة الأمة العربية هذه البطولات وهذه الملاحم وما زالت الأمة حبلى ولادة تسجل للتاريخ والحاضر والمستقبل إضاءآتها في صفحات مشرقة وتؤكد أنها باقية خالدة عزيزة، فالشهيد سمير القنطار قاد مجموعة من الأبطال في عملية فدائية عبر قارب من البحر اتجه الى منطقة نهاريا وهو لم يتجاوز ال١٦ من عمره في ٢٢ أبريل ١٩٧٩م وبعد تنفيذ العملية ومنذ ذلك التاريخ بقي معتقلا في سجون الاحتلال تحت إجراءات أمنية مشددة وكان يلقب بعميد الأسرى العرب في سجون الاحتلال حتى عام ٢٠٠٨م حينما خرج بموجب عملية تبادل للأسرى بين حزب الله وكيان الاحتلال الصهيوني بعد عملية الوعد الصادق وقد صدق الوعد وتمكن حزب الله من استعادة عدد من الأسرى العرب من سجون الاحتلال وظل اسم القنطار يتردد علما” نضاليا وقائدا ميدانيا، وهكذا كل من نذر نفسه في سبيل النصال والتحرير، ولأن القنطار بهذه المنزلة استهدفته مقاتلات الاحتلال ليرتقي شهيدا في ١٩ ديسمبر عام ٢٠١٥م، وهو نفس التاريخ الذي أراد الله لرفيقه المناضل الشهيد ناصر أبو حميد أن يرتقي شهيدا عزيزا في سبيل قضيته المصيرية التي قدمت وما زالت قوافل من الشهداء، وقد سجل الشهيد أبو حميد في صفحته النضالية عملية فدائية بطولية وهو في سن مبكرة جدا عندما ألقى زجاجة مولوتوف على دورية للاحتلال ولم يتجاوز حينها ال١١ من عمره، بعدها وضع الشهيد أبو حميد في سجون الاحتلال لمدة تجاوزت ال٣٤ عاما أصيب في عام ٢٠٢١م بمرض السرطان، وبعد أشهر من المعاناة والإهمال الطبي في سجون الاحتلال وتأكد إصابته بسرطان الرئة لم يستجب الاحتلال للمطالب بالإفراج المبكر عنه ليرتقي الشهيد ناصر أبو حميد شهيدا مسجلا ذاكرة نضالية عظيمة وقد ارتفع بذلك عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى ٢٣٣ شهيدًا منذ عام ١٩٦٧م، منهم ٧٤ شهيدًا ارتقوا نتيجة سياسة الإهمال الطبيّ.
هكذا هو التاريخ المضيء للرجال الشرفاء الأحرار في تاريخ أمتنا المجيدة والذي يجب أن نفخر ونفاخر به، فهؤلاء الرجال العظماء سجلوا صفحات مشرفة من النضال، وما زالت سجون ومعتقلات الاحتلال تعج بالأسرى منهم الكبار في تاريخ النضال أمثال الأسير البطل مروان البرغوثي مهندس انتفاضة الحجارة ومنهم الأسرى الأحداث مثل الأسير أحمد مناصره وغيره، وهؤلاء هم من يصنع التاريخ ويقدمون ملاحم المجد التي تضاف إلى مشروع التحرير العظيم، وما أجمل أن يزين تاريخهم بخاتمة الشهادة على يد المحتل الظالم وقد أراد الله لهم هذا الشرف والمجد وأراد لأعداهم الخزي والعار .. ومن هنا نرفع التحية لأبناء أمتنا المناضلين الابطال، والخلود لشهدائها الأبرار ونسأل الله أن يفك أسرانا الأحرار، “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.
ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم