الدولة والفن التشكيلي 2

أشرت في زاوية الأسبوع الماضي إلى أن الخطوة الأكثر أهمية في دعم الدولة للفن التشكيلي تمثلت بإقامة المعرض السنوي عام 1950 الذي هو أحد أقدم المعارض الدورية العربية، وقد قامت بتنظيمه وزارة المعارف، التي حلّ محلّها اليوم وزارتا التربية والتعليم العالي، بالشراكة مع مديرية الآثار والمتاحف. وحين تأسست وزارة الثقافة بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض إلى دائرة الفنون التشكيلية والتطبيقية فيها، والتي تحولت منذ عام 1966 إلى مديرية الفنون الجميلة، وكان هناك حرص على استمرار (المعرض السنوي) وتطويره. فقامت المديرية عام 1959 بقسم المعرض إلى اثنين: (معرض الربيع) في حلب، و(معرض الخريف) في دمشق وألغت مبدأ الجوائز واستبدلته بسياسة الاقتناء.
استمرت سياسة اقتناء الأعمال المشاركة من قبل وزارة الثقافة على امتداد العقود التالية، وقد كان لهذه السياسة الثقافية – الاقتصادية أثرها المباشر على سوق الأعمال الفنية السورية.
ففي تلك الفترة التي شهدت افتتاح الكثير من صالات العرض الخاصة ومحال بيع الأعمال الفنية، حيث مثَل الثمن الذي تدفعه وزارة الثقافة معياراً يصعب التراجع عنه مما منح الأعمال التشكيلية السورية قيمتها المادية العادلة إلى حدّ كبير، وشجع المزيد من الفنانين على العمل والعرض، وحمى الفن التشكيلي السوري من المضاربات التجارية في الجوار، والتي كانت تعمل دائماً على بخس الأعمال الفنية السورية قيمتها الفنية والمادية.
غير أن هذه الحال لم تستمر بعد ذلك بالوتيرة الحيوية نفسها، ذلك أن المبالغ المرصودة لاقتناء الأعمال التشكيلية لم تعد قادرة على تلبية الغاية التي رصدت لأجلها، نتيجة زيادة القيمة المادية للأعمال الفنية، وزيادة عدد الفنانين الداخلين حديثاً إلى الساحة التشكيلية، والذي يُمّثل اقتناء أعمالهم ضرورة توثيقية وثقافية كما أن ظهور صالات العرض العملاقة واحتكارها لنتاج بعض الفنانين الهامين بعقود أبرمتها معهم، واستقطابها لكثير من الفنانين المميزين، قد حرم المعرض السنوي من مشاركاتهم، وحرم الدولة السورية بالتالي من اقتناء أعمال تتطلب الحاجة الثقافية امتلاكها لها كذلك فإن عدم توفر مكان مناسب للعرض، بعد أن تم تحويل صالة العرض في المتحف الوطني إلى جناح دائم للمعماري الكبير أبولودور الدمشقي.
أدى مجتمعاً قبل عدة سنوات لإعادة تقسيم المعرض إلى معرضين وتم تخصيص المعرض الربيعي بالفنانين الشباب، والخريفي بالفنانين المخضرمين، بحيث يرث (معرض الخريف) الذي تقيمه مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة، بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيلين السوريين، نصف المعرض السنوي التاريخي، محتفظاً بتقليده في اقتناء معظم الأعمال المشاركة، فيما يرث (معرض الربيع) نصفه الثاني مستعيداً مبدأ الجوائز الذي كان سائداً في الخمسينات، وبما يوحي بارتباط أسمي المعرضين بالفصلين اللذين أقيما فيهما.
مع كلّ ما سبق فقد ساهمت سياسة الاقتناء من المعرض السنوي، ومن ثم من معرضي (الربيع) و(الخريف) المجدّدين في استمرار حرص الفنانين على المشاركة، رغم انخفاض المبالغ التي تقاضوها عنها بالقياس إلى أثمانها الفعلية، والأثمان التي تدفع لها بالأسواق العربية المجاورة، وخاصة في السنوات الأربع الماضية التي شهدت إلى ما سبق تكريم عددٍ من الفنانين في كلّ معرض، واستمرار اقتناء وزارة الثقافة لأعمال الفنانين في معارض الصالات الخاصة.
في كلّ الأحوال ساهمت سياسة الاقتناء في تملك الدولة لمجموعة هامة من الأعمال الفنية ذات القيمة الإبداعية والثقافية والتاريخية، والتي تمثل مخزوناً ثقافياً هاماً لأي دولة، وقد اقتنيت (هذه المجموعة) لغايتين بآن واحد، أولها: تشجيع الفن التشكيلي، كما سبق، وثانيهما: تكوين نواة لمتحف الفن الحديث، المشروع الذي أدت ظروف الحرب على سورية إلى تأجيله، دون أن يخرج من خطط الدولة.

آخر الأخبار
بعد جولته في الجنوب السوري.. نتنياهو يتحدث عن الاتفاق الأمني على منصة "أبو علي إكسبرس"  سوريا تعيد تنشيط بعثتها الدائمة بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتعيّن مندوباً دائماً  تخريج  نحو 500 طالب وطالبة طب أسنان وصيدلة في جامعة حمص  مدير تربية حلب يعد معلمي مناطق الشمال بدعم مطالبهم إدانات سعودية وكويتية لانتهاك سيادة سوريا.. واستفزاز إسرائيلي جديد في جنوب البلاد  الجولان السوري أرض محتلة.. الولاية فيه للقانون الدولي والشرعية حصرية لسوريا    الرئيس الشرع يستقبل طارق متري لمناقشة قضايا سيادية  ذراع "الكبتاغون" بين سوريا ولبنان.. نوح زعيتر في قبضة الجيش اللبناني أول رسالة عبر "سويفت".. سوريا تعود إلى النظام المالي الدولي    قاضية أميركية توقف قرار إدارة ترمب إنهاء الحماية المؤقتة للسوريين دمشق تستقبل طارق متري لمناقشة قضايا سيادية وزير العدل يعزز التعاون القضائي مع فرنسا  السودان يثمّن دور السعودية وأميركا في دفع مسيرة السلام والتفاوض توليد الكهرباء بين طاقة الرياح والألواح الشمسية القطاع المصرفي.. تحديات وآفاق إعادة الإعمار الخارجية توقع مذكرة تعاون مع الأمم المتحدة لتعزيز قدرات المعهد الدبلوماسي القبائل العربية في سوريا.. حصن الوحدة الوطنية وصمام أمانها  عدرا الصناعية.. قاطرة اقتصادية تنتقل من التعافي إلى التمكين نتنياهو في جنوب سوريا.. سعي لتكريس العدوان وضرب السلم الأهلي هيئة التخطيط والإحصاء لـ"الثورة": تنفيذ أول مسح إلكتروني في سوريا