الثورة – حسين صقر:
من الأخطاء المتداولة بين الناس أنهم يقولون دائماً: ” فلان لايرافق شخصاً إلا لمصلحة”، إذ ليس خطأ أن يحكم الناس على المصالح، ولكن الخطأ ألا تتوج هذه المصالح بالأخلاق والقيم والمبادئ، لأنه وببساطة المصالح تفرض ذاتها رغماً عنا وأينما توجهنا.
من مصلحة صاحب العمل أن يكون مرناً مع من يعمل عنده، وكذلك من مصلحة العامل أن يكون لطيفاً مع صاحب العمل، ولكن عبر قناة يتفق عليها الطرفان ويعرف كل شخص منهما حدوده وصلاحياته.
ومن مصلحة الأب أن يكون لطيفاً مع زوجته وأولاده، وكذلك هؤلاء أن يكونوا مع رب المنزل ظرفاء، سواء الزوجة أم الأولاد، ولكن ضمن الأصول والقيم المعروفة، وهنا تكلمنا عما يسمى المصلحة.
و بالتالي من مصلحة الأخ والأخت والجار والبقال والسائق والمسؤول، و القائمة تطول، لأن الشخص نفسه يتغير موقعه، ومع هذا التغير يكون حكم المصلحة هو السائد، فكما لدي أخ، فأنا أخ لأخي وأختي، وكما لدي جار، فأنا جار وهكذا، حيث الأفراد يكملون بعضهم ولا غنى لأحد عن الآخر.
ولكن الطامة الكبرى بأن غالبية هؤلاء لايتذكرون أفعالهم، أو يتناسونها، ولكن تنطبع في ذواكرهم مع كل أسف أفعال الآخرين، وبالعكس، وفي موقع آخر ينسون سلبياتهم، ويتذكرون فقط سلبيات الآخرين وتقصيرهم، متجاهلين تقصيرهم، ليقولوا فيما بعد أن فلاناً يرافق أو يعامل على مصلحة، وكأنه يحق لهم ما لايحق لغيرهم، وجواز المرور لهم فقط، حيث يتذكرون التفاصيل الصغيرة إذا شاؤوا، ويتناسون عن قصد، تفاصيل أخرى في حياتهم، ومثال ذلك إذا أسدوا لأحدهم معروفاً آخر لقاء معه، ولمرة واحدة يمنّونه في ذلك، ولايخطر ببالهم مافعله من أجلهم طوال سنوات، وهؤلاء يركزون فقط على آخر حلقة أو مشهد من مسلسل العلاقات الاجتماعية المكسيكي أو التركي الطويل ذي المشاهد والأحداث الكثيرة والمواقف المختلفة والمتباينة.
طباع الناس تختلف، ومنهم من لا ينسى، على قاعدة يأخذ ويتذكر، ويعطي وينسى، ولو سار الجميع على تلك القاعدة لما نشأ خلاف بين أي اثنين، وسادت المودة والرحمة وأصبحت المروءة نهجاً، أما والبعض الكثير يتجاهل عن قصد معروف الآخرين معه، ويتنكر لهم، ولايمر على شريط ذاكرته سوى ما يقدمه، فهذا نوع من الأنانية السائدة والتي تؤدي إلى أمراض مجتمعية يصعب الشفاء منها.
البعض من هؤلاء يركزون في حديثهم ولقاءاتهم على آخر جملة مذكرين فيها، رغم الحديث الطويل، لأنهم يدركون بثقة مطلقة أن طبع الناس مجبول على آخر كلمة وآخر موقف، وآخر لقطة، في الوقت الذي يجب فيه التركيز على كامل القصة أو الحدث أو الحكاية والاتفاق والعقد والقائمة تطول أيضاً.
التفاصيل الصغيرة ومابين السطور والتي تمتد على مدى أيام وسنوات هي المهم في العلاقات وليس آخر مشهد، لأن ثمة ظروفاً تعاكس الناس ولاتساعدهم دائماً، إذ من غير المنطقي أن أمحو بجرة قلم تاريخ شخص له عندي من الجمائل أكثرها، والمواقف المشرفة والشجاعة والكريمة أبهاها، وأنسى ما فعله من أجلي بسهولة فقط لأن الظروف لم تساعده ليكون المشهد الأخير كما سبقه، فبذلك نحكم على بعضنا بالموت، وعلى علاقاتنا بالخراب، ولكي تستمر العلاقات وتبنى عليها المصالح المتوجة أخلاقياً، لابدَّ من ذاكرة قوية تجمع الضدين وتترسخ فيها أهم الأحداث المآثر والمحطات التي مرت في حياتنا، إذ لايعقل أن تكون كل الذكريات مجرد ورقة ترمى في سلة المهملات عند أول خطأ أو هفوة غير مقصودة أو تقصير حكمته الظروف أو مزاج عام يحكم هذا الشخص أو ذاك.