ما أن اشتمت واشنطن رائحة الاتصالات التي تجري في المنطقة على نيّة تبريد سخونة الملف السوري بين أطراف أستانا الضامنة للحل السياسي في سورية، حتى سارعت للعرقلة ووضع العصي في العجلات، عبر تعزيز وجودها غير الشرعي في منطقة الجزيرة السورية ونهب ما تيسر لها من الثروات النفطية وزيادة الدعم العسكري لمليشيا قسد من جهة، وتقديم الإغراءات العسكرية للنظام التركي من جهة أخرى، وذلك بهدف نقل المنطقة من الأجواء الإيجابية التي كانت سائدة في الأيام الماضية إلى أجواء سلبية تساهم في إطالة أمد الحرب والأزمة في سورية.
هذا الدور التخريبي الذي تلعبه واشنطن في سورية منذ عام 2011 لم يعد خافياً على أحد، فهي التي تزعمت محور الحرب منذ البداية وكانت المحرك الأساس لكلّ خيوط اللعبة، وهي التي وزعت الأدوار الثانوية على إرهابييها ومرتزقتها وحلفائها، وأنشأت غرف العمليات في العديد من العواصم لتسعير نيران الحرب خدمة لأجنداتها وأطماعها الاستعمارية التي يقبع الكيان الصهيوني في معظم تفاصيلها، ولذلك لا تريد تفويت أي لحظة أو فرصة ممكنة من أجل توتيرالأجواء وخلط الأوراق ومحاولة التأثيرعلى الأطراف الفاعلة لمنع قيام أي تسوية تخدم الهدوء والسلام وتتناقض مع مشروعها الفوضوي في المنطقة.
لقد شقّ على واشنطن أن تحاول أنقرة إعادة حساباتها في سورية والخروج من الدور المرسوم لها أميركياً عبر حلف الناتو، فبادرت إلى تدوير زوايا الخلاف مع نظام أردوغان، علّها تعيده للوراء وتفك ارتباطه بشركاء أستانا من أجل استخدامه مجدداً وتوظيفه ضمن الأجندة الأميركية القائمة على الهيمنة والصراع ومناطق النفوذ.
ما من شك بأن الكرة اليوم باتت في ملعب أنقرة، وعليها أن تبرهن بأنها جادة في الاتصالات والمساعي التي تجري بوساطة روسية وإيرانية من أجل التخلي عن دورها السابق وطي صفحة الخلاف، وأن تبعد شبح أميركا المعرقل عن هذه الاتصالات والمساعي، لأن أي فشل سيلحق الضرر بمصالح كلّ الأطراف وفي مقدّمتهم تركيا نفسها.