الثورة_ فاتن دعبول:
أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب وبالتعاون مع الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين” الأمانة العامة ندوة لقراءات في المجموعة القصصية” الانحناء يسارا” للقاصة الصحفية الفلسطينية سوزان الصعبي،
في تقديمه بين د. إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب أن ما بين فلسطين وسورية تاريخ من الحضارة والفكر والتواصل، فهما شركاء في الدم والتضحيات وشركاء في الانتماء والقضية، وكلاهما في خندق واحد لمواجهة الاستكبار العالمي والطغيان الأمريكي والأنظمة العربية الرجعية التي أرادت بيع سورية والقضية الفلسطينية، ومازال الصراع مستمرا من أجل تحرير الأرض المحتلة بإيمان وعزيمة لا تلين.
بدوره قدم الإعلامي علي الراعي للندوة بلمحة عن المجموعة القصصية” الانحناء يسارا” وتوقف عند كلمة” الانحناء” بأنها تلك المفردة التي تكتنز طاقة من التأويلات التي تأخذنا صوب عواطف نبيلة كالحنان والعطف وكل المناخات الحميمية، والانحناء يسارا ربما باتجاه القلب، جهة العدالة الإنسانية المشتهاة.
ويضيف: المجموعة القصصية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، تصدر في زمن يبدو فيه هذا النوع الأدبي” القصة القصيرة” وصل إلى مرافئه الأخيرة أمام وهم مقولة” الرواية ديوان العرب” التي أطلقها كاتب ما ومضى، ثم ما كان على القوم سوى أن يرددوها بلا هوادة.
على وتر القهر
وفي قراءتها بينت الروائية سوسن رضوان أن المجموعة القصصية” الانحناء يسارا” تسير في معظمها على خط القهر والوجع، وتحاول الأديبة سوزان الصعبي أن تقلص مساحته لتفتش عن بدائل تغير الحال كما في قصة” موسيقا الشهيق الأخير”.
من الناحية السردية كان الراوي هو البطل والشخصية الرئيسة في العمل، ونجده قد اعتمد الاختزال وعدم الشطط في القص والوصف، كما اتضح أن ثمة تقلصا في زمن مرحلة الطفولة، لينمو بدلا عنه زمن الحزن وأنين الغياب، في لغة سهلة تنساب بلطف، تقول على لسان الطفلة سلمى” سقط أبي وطفر دمه، حمل شبان جثته وركضوا، لم نستطع أمي وأنا اللحاق بهم، سنوات طويلة وأمي لا تهتدي إليه”، لتخلص في قراءتها إلى أن الكاتبة حاولت في المجموعة القصصية أن تتلمس جرح وطن وتعزف له علّه يبرأ.
بطولات متعددة
وبكثير من الاستمتاع والتفصيل قدم د. غسان غنيم قراءته للمجموعة القصصية” الانحناء يسارا” واصفا إياها بأنها تجربة حياتية مريرة، عجنت بماء الحساسية لدى كاتبة عاشت أكثر من عمرها الذي ضمخته التجربة وصقلته الموهبة، فأنتج موهبة جديرة بالتقدير والاحترام,وقسم بدوره المجموعة إلى أقسام ثلاثة، القسم الأول تحدث عن الحرب وما فعلته في الناس” اقتصاديا ونفسيا وجسديا” وعنوانه” انفخ على الحرب، لا تنطفىء”، وتناول القسم الثاني الجانب الاجتماعي حيث لا يجد الإنسان فيه مخرجا من مأزق الحياة وقسوتها، فيختار إما البكاء أو الانكفاء أو الصمت.
ورصدت في القسم الأخير للحب، لتختبر مع المتلقي كيف يكون الحب الضائع والحب المفقود والحب المنقذ الذي يرسم ابتسامة حتى على ورق، ولكنها ابتسامة لا تكتمل في واقع لا يقر بالحب.
يقول د. غنيم: إن البطولة الحقيقية في هذه المجموعة ليست للحكاية وطرافتها، بل تكمن البطولة في طرائق ابتدعتها الكاتبة في الأداء، وإشراك المتلقي مجبرا في التأليف والمشاركة في المعاناة والتجربة.
أما البطولة الثانية فهي للغة القصصية الباذخة التي تفيض بالحساسية العالية والدقة في إيصال الإحساس باللمحة الذكية المشحونة بالمعنى والعبارة التي تنقل المتلقي من حال إلى حال.
ويشكل اختصار الحدث في الرواية البطولة الثالثة، فالآلية تقوم على تقديم لمسات ضوئية وامضة من دون أن تقدم أحداثا مترابطة لحكاية تقليدية تقوم على بداية ووسط ونهاية، بل تجري على تحريض المتلقي ليؤلف معها.
ويخلص في قراءته إلى أن اشتراك قصص” الصعبي” في لغتها بين السرد والشعرية، منح القصص أبعادا أدبية إضافية، حيث استطاعت أن تسرد بلغة الشعر وصوره وقدرته على البث الذي يرشح صاحبته للانحناء نحو الشعر في محاولة لتوصيف طبيعة الكتابة السامقة لديها، فهي أديبة امتلكت التجربة وعاشتها فأبدعت وأجادت.
صوت أدبي مهم
بدأ د. حسن حميد مشاركته بالحديث عن حال القصة القصيرة وعزوف الناس عنها ربما بسبب الحياة الاستهلاكية التي طحنت عبر حراكها الشرس كل شيء، ما دفعه للبحث عن الراحة في أجناس أدبية أخرى، فكان الانصراف إلى الرواية وأدب السيرة والرحلات.
أما السبب الثاني فهو فتور الاهتمام بالقصة القصيرة داخل المنصات الثقافية ودور النشر، وعدم إحاطتها بالرعاية رغم أهميتها في مجتمعات كثيرة، لأنها استطاعت أن تكشف عن الثغرات الاجتماعية والنفسية في غير مجتمع عن طريق كتّاب القصة من مثل تشيخوف، همنغواي، يوسف ادريس، وغسان كنفاني وغيرهم كثير.
وبين أن الكاتبة سوزان الصعبي صوت أدبي مهم، أرادت عدم تتبع دروب الآخرين التي مشوها في كتابة النص القصصي، لأنها في مجموعتها” الانحناء يسارا” هي غير مهمومة في قصصها بالأحداث ولا ببناء الشخصيات ولا برسم المكان، هي فقط تؤيد ما قاله أدباء فرنسا” إن قول كل شيء في النص، مهلكة، لأن النص أشبه بالطريق لا يطيق الحمولة الثقيلة”
فكل ما في قصص المجموعة هو اعتصار للزمان والمكان والاحداث ومسارات الشخوص، لأن العالم الذي تمثله هذه القصص هو عالم اعتصار، حتى الأحلام فيه تصرخ، ولا يمكن تلخيص ما تريد الكاتبة قوله، لأن الاحداث شظايا، والزمن والمكان وسلوكيات الشخصيات هي شظايا أيضا، لذلك فإن هذه القصص في معظمها تضحي بركن أساسي في عمارة النص القصصي وهو المتعة، فالقصص مكتوبة برؤية الكاتبة وقناعتها القائلة” إن كنت تريد رؤية الواقع على حقيقته، فاختر المرآة التي تناسبه”.
وفية للقصة
وبينت الكاتبة سوزان الصعبي أن المجموعة القصصية كتبت منذ سنوات، تقول:
أعترف أحيانا أنها تشكو من بعض الهنات، لكني أحب كتابة القصة رغم تجربتي الأخيرة في الرواية وسأبقى وفية للقصة لأني أميل إلى الاختصار وعدم الإطالة والحشو، كما أني قريبة جدا من المقهورين من حولي، وأفكر ماذا أكتب لهم، وكيف أكتب.