د. مازن سليم خضور:
“أصعب فراق، فراق الحبايب”، هي كلمات أغنية لسلطان الطرب جورج وسوف، لم يكن أحد يتوقع أن تذاع هذه الأغنية في رحيل “وديع وسوف” ابن السلطان الذي خطفه الموت مؤخراً.
وسائل الإعلام استنفرت لتغطية الجنازة، المحطات التلفزيونية رافقت التشييع من لحظة الصلاة في “دير مار يوسف” في بيروت وصولاً إلى بلدته “الكفرون” في ريف طرطوس، بحضور شعبي ورسمي وفني كبير .
رغم الحالة النفسية للأب المفجوع برحيل ابنه، كان لافتاً النداء الذي وجهه إلى المشاركين بالتشييع بـ”ضرورة الالتزام بعدم إطلاق الرصاص”، هذه المسؤولية العالية انعكست بصورة لا تقل استثنائية عن تلك التي قدمها “الوسوف الأب” في مدى الالتزام الحرفي بطلب “السلطان” لينتهي التشييع دون إطلاق العيارات النارية في الهواء، وهذا يقودنا إلى أهمية قوة “قادة الرأي العام” وتأثيرهم على الجمهور .
يُعرّف قادة الرأي (Opinion Leaders): بأنهم “أشخاص طبيعيون أو اعتباريون يملكون القدرة على التأثير في سلوك الآخرين وتكوين آرائهم، يكون قادة الرأي امتداداً طبيعياً للجماعات المرجعية مثل رجال السياسة، ورواد الفكر والأدب، والأطباء، ورجال الأعمال، والصحفيين، والمشاهير، وعلماء الدين”.
يلعب قادة الرأي والفكر دوراً في التأثير على الجماهير قد يكون هذا الدور سلبيا أو إيجابيا من حيث تبني الجمهور للآراء والأفكار التي يروجون لها، وبالتالي هو سلاح ذو حدين.
عادة ما يأخذ قادة الرأي العام زمام المبادرة في قبول أو رفض الأفكار الجديدة فهم وسطاء بين هذه المصادر وبين الناس، ويساهمون بفعالية في تشكيل الرأي العام وتوجيهه والسيطرة عليه داخل مجتمعاتهم المحلية، وهم يتنوعون حسب مستوياتهم الفكرية والاجتماعية والتأثيرية، فمنهم: رجال الدين من أئمة وخطباء رجال الإعلام، الأدباء، الكتاب.
في علم الاتصال والإعلام هناك نظرية تدعى نظرية “تأثيرات وسائل الإعلام المحدودة ” وتتلخص في أنّ المعلومات تنتقل على مرحلتين، أولا من وسائل الإعلام إلى قادة الرأي، ثانيا من قادة الرأي إلى أفراد آخرين، وهذا يدل على قوة تأثير قادة الرأي العام الذين يقومون بنقل هذا المضمون إلى الآخرين، بعد إضفاء فكرهم الخاص على الرسالة الإعلامية.
ما نشهده من تطورات وتدفق للمعلومات والأفكار والاندماج الإيجابي معه يقتضي وجود أدلاء من مفكرين وعلماء وصناع قرار فهم عادة القوى المحرِّكة لإثارة القضايا سلفًا، ثم الدفع بها على السطح.
هذا من جهة ومن جهة ثانية هناك نظرية أخرى تدعى نظرية الرجل العظيم Great Man theory من أهم نظريات القيادة والإدارة وممارساتها، تفترض أن القادة الجيدين يولدون ولديهم سمات ومهارات فطرية تجعلهم مميزين كذلك تفترض أن الشخص القادر على القيادة يمتلك السمات الشخصية للقائد منذ الولادة التي تميزه عن غيرهم، وأن هذه السمات ليست شيئًا يمكنك تعلمه.
ويرى ستيفن كوفي الذي يعد من أشهر الأشخاص الذين تحدثوا عن التنمية الذاتية والبشرية بأن من أهم صفات القائد: التعلم المستمر بالقراءة والتدريب والبحث، وتحمل المسؤوليات، والنظر إلى المهمات في الحياة كرسالة لا كمهنة.
وفي ضوء انتشار شبكات التواصل الاجتماعي وتنامي دورها كوسيلة اتصال وتواصل جماهيري، وانخراط مختلف فئات المجتمع في استخدام هذه الشبكات، وبخاصة قادة الرأي العام، لتحقيق وظائف وأغراض متعددة، وبناء على التأثيرات المتنوعة لهذه الشبكات في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، ازداد دور قادة الرأي والمؤثرين على الجمهور، إلا أنه وللأسف فقد ظهر الكثير من المؤثرين الذين كان لهم دور سلبي على الجمهور خاصة مع انتشار ما يسمى ( التريند) واعتماد نسبة المشاهدات وعددها على حساب المضمون والمحتوى وهذا ما نلاحظه حاليا في استغلال (المشاهير) والذين يعتبرون من أهم قادة الرأي العام في الدعوة إلى عادات وقيم سلبية ولا تتماشى مع بعض المجتمعات أو من خلال بث صور وفيديوهات لهم وهم أثناء ممارستهم لسلوك سلبي كتعاطي المخدرات أو الدخانما، يدعون متابعينهم إلى تقليديهم وحتى في شكل اللباس والوشوم وكذلك الترويج إلى أفكار معينة مثل المثلية وغيرها.
الكثير من قادة الرأي قدموا الإفادة والجانب الإيجابي للجمهور من خلال المعلومة المفيدة و التوعية وغيرها من الإيجابيات لكن البعض الآخر كان له تأثير سلبي من خلال نشر البيانات المغلوطة عن قضايا تثير الرأي العام وقد تسبب البلبلة لدى المتلقين والمتابعين وبالتالي كما ذكرنا سابقاً هو سلاح ذو حدين وهنا وظيفة العقل الإنساني الأساسية وهي التمييز بين الأشياء واختيار الأفضل بالنسبة له.
