الثورة – علا مفيد محمد:
قد يُبدي البعض تخوفاً من قدرة الأم العاملة في إحداث التوازن بين عملها وحياتها الأسرية إن هذا التخوّف نابع من الاعتقاد السائد أن المرأة هي المسؤولة الرئيسية عن تربية الأبناء ورعايتهم، والمسؤولة عن تدبير أمور المنزل. الأمر الذي قد يسبب لها ضغوطات لا تنتهي وبالتالي تقصيرها تجاه أسرتها قد لا يغفره البعض. إلا أنه في ظل هذه الظروف والعوز المادي، نجد العديد من أطياف المجتمع يفضلون الفتاة العاملة لأهمية ذلك في دعم الأسرة اقتصادياً، وسد احتياجاتها، وإن كان معظمهنّ لا يبقى لها ما تلبي به مصروفها الشخصي.
أثبتت المرأة بشكل عام قدرتها الفائقة على القيام بعدة مهام في وقت واحد عكس بعض الرجال ربما وقادرة على إتمام عملها خارج البيت وبنفس الوقت العناية بأسرتها داخله إلا أنّ هذا التوازن يتطلب منها جهداً كبيراً وتوفر أدوات لكي تصل إلى تحقيقه.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن أهداف العمل تختلف من امرأة لأخرى، حيث نجد من تعمل رغبةً منها في إثبات ذاتها عن طريق الاستقلالية المادية. ونجد بالمقابل المرأة الطموحة التي تعمل بشكل أساسي شغفاً بالعمل لتحقيق نجاحات معنوية وإثبات نفسها مهنياً بغض النظر عن الجانب المادي.
كثير من الأحيان تتعلق ربة الأسرة بوظيفتها تعلقاً معيشياً مع رغبة شديدة “عند بعضهنّ” بالتخلي عن العمل والتفرغ للبيت والأولاد وخاصة في سن الطفولة.
إلا أن الضائقة المادية التي طالت الكثير من الناس تركت أثراً على نفسية المرأة العاملة التي زادت أعباؤها وكلفت بمهام لم تعهدها من قبل، ما جعلها مضطرّة لتحمل هذه المعاناة لتساهم في تأمين دخل كاف بعض الشيء لعائلتها.
إن قضية عمل المرأة تحتاج إلى وعي لا سيما أنها تواجه تبايناً كبيراً في الرأي حتى في صفوف النساء أنفسهن.
تقول إحداهن (مهما تراكمت مشاكلي سوف أخرج للعمل في اليوم التالي فأنا أذهب لأرى الناس، أعمل و أشعر بقيمتي وموقعي العام وأستمتع بأي إنجاز أقوم به في ممارسة عملي وأعتبر ذلك متنفساً أهرب إليه).
وصديقة أخرى رُزقتْ منذ عدة شهور بطفلتها الأولى ومع انتهاء فترة أمومتها باتت في حيرةٍ من أمرها بين عودتها للعمل الذي يعني لها الكثير ويمثل أماناً للمستقبل على الرغم من ضآلة راتبه، أو تركه للتفرغ لطفلتها التي ما زالت بحاجة للرضاعة والدفء وخاصةً أن المنزل يبعد كثيراً عن مكان العمل والمواصلات غير مؤمنة وأن الجمع ما بين الاثنين أمرٌ يصعب عليها تحقيقه مع هذه العوائق.
من خلال هذه الصور وغيرها نجد أنه من الضروري للمرأة إيجاد حلول مفيدة لمشكلة عملها في بعض القطاعات.
من هذه الحلول ما يمكن تنفيذه من قبل الزوجين المعنيين بالأمر من خلال تعاونهما مع بعضهما وتعاون الأسرة بأكملها قدر المستطاع، وخاصةً إذا كان عمل المرأة ضرورياً لدخل الأسرة وسد الاحتياجات.
فبدعم الجدة أو الخالة أو العمة القادرة منهن على رعاية الطفل أثناء غياب الأم، وقيام الزوج بمساعدة زوجته العاملة في تدريس الأولاد، وقيامه ببعض الأعمال المنزلية البسيطة يتحقق الاستقرار الأسري إلى حد كبير لطالما هناك جوٍّ من التعاون والمودة.
وكذلك يجب العمل على تحسين وضع المرأة العاملة بشكل عام كتوظيف من تحتاج منهن إلى العمل بوظيفة يمكن القيام بها في منزلها، أو تأمين راتب شهري لربة البيت التي فقدت معيلها ما يدفع عنها ذل الحاجة والسؤال.
وتأمين دور الحضانة في داخل المؤسسات مجاناً وخارجها بسعر يناسب كل الطبقات وتكون هذه الدور مجهزة بأدوات التسلية والتعلم، وتخضع لشروط صحية وقانونية تسمح لها باستقبال الأطفال في الأشهر الأولى
بغية تأمين سبل راحتهم والعناية الجيدة لهم أثناء غياب الأهل عنهم. وهذا ما عملت عليه الدولة وأمنته في أغلب المؤسسات والمصانع والمعامل.
إن الإنصاف يقتضي أن نعترف بأن عمل المرأة في بيتها وخارجه ليس بالأمر اليسير أو السهل، وأن العبء ثقيلٌ على عاتقها كما الرجل بما تبذله من جهدٍ مضاعف، يُمكن أن يسلبها راحتها وصحتها. فلكل النساء والأمهات العاملات كل الاحترام والتقدير والدعم.