دخلت الحرب الأوكرانية في الأيام الأخيرة مرحلة كسر عظم حقيقي تنبئ بتطورات خطيرة وغير محسوبة على الصعيد العالمي، حيث بدأ تدفق السلاح الأطلسي بأنواعه المختلفة على نظام كييف لتغيير المعادلة القائمة حالياً وحشر موسكو في زاوية ضيقة تضطر بنتيجتها للقيام بردود أفعال غير متناسبة، يمكن أن توسع رقعة المواجهة إلى أبعد من حدود أوكرانيا ذاتها، وهو هدف تحاول واشنطن – على ما يبدو – جاهدة للوصول إليه، خلافاً لما يريده حلفاؤها الأوروبيون الذين سيجدون أنفسهم أكبر المتضررين في حال نجح السيناريو الأميركي بجرّ روسيا لاستخدام أسلحة استراتيجية “نووية” لمنع ترجيح الكفة الأوكرانية بالدعم الذي يغدق على كييف حالياً.
يمكن القول إن حلف الناتو مجتمعاً بات منخرطاً في الحرب الأوكرانية لمنع روسيا من استكمال انتصارها، الانتصار الذي سيكون له تداعيات استراتيجية على مجمل الوضع الدولي والتحالفات القادمة في حال تم إنجازه، لذلك يمكن لمتتبع الأحداث أن يلاحظ رغبة أميركية بإطالة أمد الحرب وزيادة الشرخ بين روسيا وجيرانها الأوروبيين للحيلولة دون الوصول إلى حل سياسي، وبذلك تصل إلى هدفها الخفي وهو إضعاف كل الأطراف المشاركة في الحرب، كي تهيمن على الساحة العالمية منفردة دون شركاء وتمنع نشوء عالم متعدد الأقطاب، ومن ثمّ تحظى بالكعكة الأوكرانية بمفردها.
لا شك أن هذا السيناريو الأميركي الخبيث واضح في ذهنية القيادة الروسية، وهي تسعى لمنع حدوثه، لأن من شأنه إفشال أهداف العملية العسكرية الروسية، والذهاب بالحرب إلى مواضع غير محسوبة، ولذلك نراها تتعاطى مع ظروف الحرب بواقعية وضمن الإطار الذي رسمته منذ البداية، بحيث تبعد خطر الأطلسي عن حدودها وتمنع تمدده بصورة تهدد أمنها القومي.
المستغرب هو أن الجانب الأوروبي غير مدرك للمخاطر التي تتهدده في حال تم الضغط أكثر على موسكو، وتم تجاهل مطالبها ونقاط قلقها المشروعة، لأن توسع رقعة الحرب سيكون على حساب أوروبا نفسها، بينما ستظل واشنطن في مأمن، ولن يضيرها كثيراً إذا ما تكرر سيناريو الحرب العالمية الثانية، ويبدو أنها تعد نفسها جيداً لخطة “مارشال” جديدة دون أن يكون هناك إنزال جديد في “النورماندي” لدعم الحلفاء الذين يتساقطون…!