كان على قناعة كاملة بمقولة فيلسوف التشاؤم الأكبر شوبنهاور “القلب الخيّر يصبغ كل الموجودات بصبغته الطيبة”..
مع أنه لا ينكر عليها (هالة) السحر التي تمتلكها وما لديها من تأثير.. ذاك التأثير الذي تمّ توصيفه في إحدى الدراسات وتعريفه بكونه (الميل للسماح بصفة أو انطباع معين عن شخص أو شركة أو حتى منتج، للتأثير إيجاباً على حكمنا على الصفات الأخرى لهذا الشخص أو الشيء)..
حين قارن بين تلك المقولة وذاك التعريف لمح ضمنهما شيئاً من التكامل، على الرغم من التقابل الذي يبدو بينهما ظاهرياً.
لطالما حيّرته الكيفية التي تنشأ ضمنها انطباعاتنا الأولية عن الأشخاص الذين نلتقيهم..
فإلى أي مدى تبقى علاقاتنا خاضعة لانطباعاتنا الأولية..؟
وهل تبقى هذه الانطباعات أسيرة نظرتنا نحن التي نرسلها ونتلقى عبرها الآخر..؟ بمعنى أننا نرى فيه ما نريد أن نراه حتى وإن لم يكن يمتلكه.. فيأتي دور (القلب الخيّر) لينعكس خيره على كل الأشياء، وفق رأي شوبنهار..
ما حصل معه أن هالتها جذبت قلبه الطيب، فعمل على مبدأ الخير الذي يحتويه مستحضراً مجموعة صفات جميلة وإيجابية حكم سلفاً أنها تمتلكها..
يبدو أنه أصبح قريباً من فهم ما حصل.. فمجرد صفة واحدة استكملت مجموعة صفات وربما اخترعتها، بدعم طيبة قلبه.
إلى الآن.. حين يرجع بذاكرته إلى لحظة اللقاء الأولى.. لا يعلم على ماذا اعتمد في سيل اندفاعاته.. وكيف نشأت نظرته تلك.
خليط رؤيته الإيجابي لم يمنع تفكيره من الحفر أعمق من مجرد صور ظاهرية.
انشغل ذهنه بحلّ معادلة اجتماعية من النوع: (لماذا نتوقع أن يكون ما نستقبله مماثلاً أو من جنس ما نرسله..؟)
من الممكن أن يكون ذلك تساؤلاً سائداً في عالم “الأفعال”، لكن بالنسبة لانطباعاتنا وآرائنا حول الآخرين، هنا شيفرة (الإرسال والاستقبال) لربما كانت مبنية على شيء مغاير..
بهذا الخصوص تحديداً، هل التواصل مع (الآخر) قائم على ما ينقصنا..؟
أي أننا نرى فيه مجموعة صفات، نبحث عنها لاشعورياً، ونستحضرها من خلاله فتكمّلنا تحت تأثير (القلب الخيّر أو سحر الهالة)..
حينها.. لربما كان ذلك السحر منقلباً عن أصل (الوهم).. ولا شيء سواه..
لأن ما نفعله، حين نحبّ، أننا نقتفي أثر تلك الهالات.. ونستعذب المضي وراء ضوئها للاستنارة به حتى لو كان وهماً.