فؤاد مسعد :
انطلاقاً من دور الفن في المجتمع وما يحمله من رسالة إنسانية سامية، أقامت صالة “زوايا” للفن التشكيلي معرضاً فنياً خيرياً “الفن من أجل سورية” لدعم المتضررين من الزلزال الذي أصاب سورية بمشاركة “55” فناناً تشكيلياً سارعوا إلى التجاوب مع المبادرة بحماس وبحب شديد.
المعرض الذي يستمر حتى 16 من الشهر الحالي افتتح مساء أمس برعاية وزيرة الثقافة، ويُقدم اللوحات والمنحوتات المعروضة فيه عبر “منصة غاليري زوايا”، بإطار يمكن من خلاله بيع الأعمال ليذهب ريعها كاملاً لصالح منظمات تدعم المتضررين من الزلزال.
ما يستطيعه الفن
برزت فكرة إقامة المعرض ثاني يوم الزلزال، هذا ما تؤكده مديرة صالة “زوايا” رولا سليمان التي قالت: عندما رأينا هول الكارثة قررنا التحرك بهذا الاتجاه، لنوصل إلى العالم فكرة أن الفن يستطيع فعل ذلك، “الفن لسورية” مثل “الحياة لسورية” لأن الفن حياة، فاقترحنا المبادرة وتوجهنا إلى الهلال أحمر والأمانة السورية للتنمية ليتم تحويل ريع بيع الأعمال إليهما مباشرة من دون أن يدخل للغاليري.
وحول دعوة الفنانين، قالت: كان يكفي وضع منشور على صفحة الغاليري على الفيسبوك والإنستغرام ليعرب كم هائل من الفنانين عن رغبتهم في المشاركة، ومعنا أيضاً فنانة لبنانية “سارة الدرة” أرادت تقديم عملها لسورية، وقد اعتذرنا من حوالي 25 فناناً أرادوا تقديم أعمالهم، لأنه خلال أربعة أيام فقط أنجزنا ذلك كله، بما فيه من تنظيم الأعمال والأسماء والأسعار والتواصل مع الفنانين واستلام الأعمال وتوزيعها في الصالة، وبرمجة المنصة لنشر المعروضات لمن هم خارج سورية لأن هناك الكثيرين الذين يرغبون بالتبرع، فكنا كمن يسابق الزمن.
وتوجهت في نهاية حديثها بالشكر لشركة “Compass freight and logistics” التي قدمت خصماً كبيراً على شحن اللوحات “الأمر الذي سيتحمله الشاري” بحيث تقدم كل شيء مجاناً ويبقى أجرة الطائرة، كما تبرع عمال المطار المياومين بيوميتهم لنقل الأعمال الفنية.
بلسمة الجراح
يؤكد صاحب صالة “زوايا” ايميل عبود أن الفن لديه إمكانية كبيرة للمساهمة، ليس فقط في تأمين بعض الأموال لأن هناك مناحي أخرى قد تؤمن أموالاً أكثر، ولكن له دوره في محاولة بلسمة الجراح والتعبير عن الحالة لرفع معنويات الناس المتضررين، وحول فكرة إقامة المعرض، يقول: “إن لم يكن الفن مشاركاً في كل مناحي الحياة فلا معنى له، وكانت الفكرة الأساسية محاولة تقديم شيء في هذه الأزمة من خلال الفن، فتم الاتصال بمجموعة من الفنانين الرواد والشباب وكانوا متحمسين جداً” مشيراً إلى أن حجراً صغيراً قد يسند جرة كبيرة، مؤكداً أن اتصالات كثيرة أتت من فنانين في سورية ولبنان والعراق للمشاركة.
القيمة الفنية
الفنان التشكيلي غازي عانا يقول: “من الطبيعي أن يكون لدى الفنان رد فعل اتجاه أي حدث، وكان الزلزال كارثة، فمن الطبيعي أن يحاول الفنان المساهمة وفق إمكانياته”، وحول المعرض الجماعي، يقول: وجدت أن هناك فنانين قدموا عبر صفحاتهم أعمالاً لصالح المتضررين ولكن العمل الجماعي يبقى أفضل، وكانت صالة زوايا جاهزة لإقامة المعرض، وقد تفاجأت بالقيمة الفنية الكبيرة للمعرض وبأسماء الفنانين الهامين المشاركين فيه”.
وعن عمله النحتي المشارك في المعرض، يقول: كان العمل معروضاً في بيروت مع مجموعة أعمال أخرى، واسميته “رأس يوحنا المعمدان” فله علاقة بالشهادة، وهو من البرونز وقاعدته خشب ووضعته على “صينية” صاج حديد، ولم أبخل به رغم أنه “مُكلف”، وهو من الأعمال المهمة لدي لذلك اخترته لأشارك فيه، فينبغي على الفنان تقديم أغلى ما لديه.
كسر الحصار
توجه الفنان التشكيلي عصام المأمون بالشكر لكل من مد يد العون ولكل من كسر الحصار ودخل إلى البلد وساعد، كما شكر كل سوري قام بكل ما يمكنه فعله، وحول مشاركته في المعرض يقول: شاركت بلوحتين إحداهما تحمل مشهداً بصرياً جديداً بطريقة تعبيرية، وهي مجسم نرى من خلاله “الأم” أو “الوطن” أو “سورية” التي تحمل أولادها على كتفيها وعلى صدرها وفي أحشائها، تشق اللوحة لتخرج منها محاولة انقاذهم من الأزمة، وتبدو عليها ملامح التعب ولكنها تبقى واقفة على قدميها، ولدي عدة أعمال أخرى عُرضت في منصات سيذهب ريعها لضحايا الزلزال، ومهما قدمنا تبقى المشاركة صغيرة.
رسالة حب
“كلنا لدينا إحساس بضرورة أن نقدم شيئاً” هذا ما أكده الفنان التشكيلي موفق مخول حول سبب مشاركته في المعرض، يقول: ما حدث يعتبر أزمة كبيرة جداً، ولكننا كفنانين لا نملك إلا الحب واللون لنقدمه، وأحب الفنانون تقديم شيء للمتضررين عبر المعرض، ولكل دوره ومكانه الذي يمكنه أن يعطي من خلالها، وهذا دور الفنان وفي مكان آخر تجد دور الدفاع المدني أو دور الطبيب ..” ويؤكد أن المعرض رسالة للمجتمع السوري الذي تنبع قوّته في الحب، فما حدث امتحان ما بعد الحرب وقد نجح السوريون وأثبتوا وجدانيتهم وحبهم للبلد.
دعم الجانب الروحي
شبّه الفنان التشكيلي مصطفى علي المشاركة في المعرض الذي أقيم بعد أيام قليلة من الزلزال بالفزعة، خاصة أن الكارثة كبيرة ومأساوية، فهناك من قضى تحت الأنقاض إضافة إلى الدمار، فهو حدث بحاجة لأن نتعاطف معه كفنانين ونقدم كل ما نستطيع لندعم الجانب الروحي والمعنوي عند الناس المتضررين، ومهما كان المبلغ الذي سيتم تحصيله فيبقى مساهمة ضمن هذا الإطار، وبما أن المعرض يصل إعلامياً للعالم فيمكن أن تجد من يقدم تبرعات لهذه الكارثة.