الثورة – حسين صقر:
لايكاد يمضي وقت طويل إلا و نسمع أخبار الزلازل والهزات والأعاصير وكل الكوارث الطبيعية، التي ضربت أنحاء مختلفة من العالم، وذلك على وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، وباللاشعور نتعاطف مع من وقعت عندهم الكارثة، حتى اقتربت النار من الديار وبتنا نسمع من جديد الأنباء والأخبار، ونعرف عن قرب أو عن طريق وسائل التواصل والاتصال أحداث وقصص العائدين من الموت، وكيف استفاق هؤلاء على اهتزاز الأثاث والأسقف و الجدران والمصابيح وكل ما حوته المنازل، وكيف هرعوا إلى الشوارع والساحات هرباً من شبح الموت الزؤام الذي هددهم ليخطف آخر أنفاسهم، بعد أن كانوا في المنزل الذي آواهم لسنوات واحتوى كربتهم وفرحهم، فهؤلاء لم يعد يهمهم أي ممتلكات أو أطيان أو مناصب أو جاهات وكل ما يريدون النجاة بأرواجهم، حتى ولم يستطيعوا التزود بشيء ممالديهم من مدخرات.
المواطن عبد القادر نعمة من محافظة حلب يروي ل ” الثورة” كيف استيقظ على حركة انزياح سريعة عن فراشه ثم العودة برمشة عين، وكيف نهض من الفراش ليتأبط طفلين، بعد أن صاح بصوت عال لزوجته أن تنهض وتتبعه للخروج من المنزل، لكن إلى أين لايعلم، وكان جلَّ همه الخروج من الباب ليجد نفسه في الطريق من الطابق الثاني في البناء الذي يقطنه، ليتبعه بعد لحظات عدد كبير من النساء والأطفال وكبار السن يتقاطرون بخوف وهلع، أحدهم يقول زلزالاً والثاني بركاناً، والآخر انهياراً أرضياً ولا أحد يعلم ما حصل، وكل ما يعلمه أنه نسي ذاته ومن يكون، وماذا يملك وماذا يعمل أصلاً.
السيدة كنانة ريشة والتي كانت برفقة أطفالها وزوجها في زيارة لأهلها في اللاذقية، والذين يمتلكون منزلاً قريباً من البحر، استيقظوا أيضاً هائمين على وجوههم مستقلين السيارة التي يمتلكونها كما هم، وكل همهم الخروج من المنطقة للنجاة بأطفالهم، والخوف يعتريهم من أن ينفلق الطريق الذي يسلكونه، أو انهيار مبنى أمامهم أو خلفهم.
فيما تحدثت الطالبة سمر مزهر من ريف دمشق و التي تدرس في جامعة تشرين عن حالة الخوف والرعب التي واجهتها وزميلاتها في السكن الجامعي، بعد أن حطمت الهزة الأضواء والزجاج واهتزت الجدران والأبواب والنوافذ كأرجوحة، حيث نزل الجميع إلى الحدائق، وهم يواسون ويشدون من أزر بعضهم، وبعضهم يودع زميله بكلمات طيبة وكأن رحلة العمر باتت في نهايتها.
من ناحيته تحدث عمرو إبراهيم كيف أخرجته فرق الإنقاذ من تحت الركام مع زوجته وثلاثة أطفال بعد أن شكلت بلاطة السقف مثلثاً على رؤوسهم، وحظه الطيب ساعده على الاتصال مع أخيه وأخبره بحاله، ولكي ينبه تلك الفرق بأن هناك أشخاصاً لايزالون أحياء، ويجب أخذ الحيطة والحذر أثناء عملية البحث وبالفعل كان لهم ما أرادوا لأن لطف الله بعباده كبير ولايدركه العقل ولا تحيطه الكلمات مهما كانت.
قصص كثيرة رويت وأحاديث، وعبَّر الجميع عن أنه في هذه الظروف يزهد المرء بكل شيء، لكن مع كل أسف بمجرد العودة إلى الهدوء والأمان، يعود البعض إلى غرورهم وغيهم وتكبرهم وصلفهم، فيما البعض الآخر يزداد قوة وإيماناً وقرباً من الخالق.
في هذه اللحظات يرخص كل شيء وتغلو الروح، ويزداد الإنسان تمسكاً بالحياة من أجل خاتمة طيبة لحياته، يودع فيه حطام هذه الدنيا الزائلة لا محال.

التالي