الثورة – نيفين عيسى:
كان فجر الاثنين الماضي مختلفاً في كل شيء، حمل مع الدقائق الأولى آلاماً بحجم الوطن، وكارثة زادت من معاناة السوريين وأوجاعهم، لكن تلك المأساة لم تمنع آمالاً كبيرة من أن تفرض وجودها وتكلّل الصبر بالتكاتف وتجسيد روح التضحية والعطاء.
لم يستكنِ السوريون لما أصابهم وهم يُحصون ما ألمّ بهم من هذه المحنة، بل امتدت القلوب والسواعد لتصنع الفرق وتقدم الأنموذج الناصع لشعبٍ أخذ على عاتقه النهوض بهمة أبنائه.
نقص الإمكانيات وظروف الحصار والحرب التي تعرضت لها سورية لم تقف أمام إرادةٍ لا تلين وعزيمة شهد العالم بأنها دليل قوةٍ ومحبة عّرفت بها سورية على مرّ الزمان.
الدفاع المدني وفرق الإطفاء والكادر الطبي وكافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية كانت جنباً إلى جنب مع المبادرات الأهلية والتطوعية على محاور المناطق المتضررة، تُقدّم العون وتساعد المحتاجين وتبحث عن الناجين.
أحمد سليم يملك سيارة نقل عمومية (سرفيس) وضعها تحت تصرف فرق البحث والإنقاذ في حلب على مدار اليوم، فيما جمع أبناؤه مدخراتهم البسيطة وتبرعوا بها للمتضررين.
مواطنٌ من طرطوس جمع المواد الغذائية وبعض ملابس أبنائه ونقلها على دراجته النارية لإغاثة المتضررين في مدينة جبلة وهو يقول إنهم أكثر حاجة من عائلته في هذه الظروف.
مواطنون يملكون آلياتٍ ثقيلة وضعوها تحت تصرف فرق البحث والإنقاذ منذ الساعات الأولى لوقوع الزلزال، فتحوا منازلهم لإيواء المتضررين.
قصصٌ كثيرة سيذكرها أبناء سورية لسنوات مقبلة، وثّقت بطولاتٍ عزّ نظيرها وقلّ مثيلها، أرواحٌ تم إنقاذها ومصابون تم إسعافهم ومتضررون وجدوا ما يحتاجون إليه من غذاء ودواء.
ذلك هو المشهد الذي جسّد حقيقة تعاضد السوريين في هذه المحنة كما في غيرها.
أطفالٌ كُتبت لهم الحياة والعودة إلى أحضان أهاليهم بهمّة زنودٍ لاتعرف الكلل أو الملل، أيادٍ بيضاء تقاسمت مع المتضررين قوت يومها وقدّمت معظم مدخراتها لتكون عوناً لكل من تضرر من الكارثة، لتؤكد مدداً أن سورية في عهدة أبنائها المخلصين، لأنهم الرهان الذي يُمكن الاعتماد عليه في كل الظروف والأزمات.
