الملحق الثقافي- حسين صقر:
كلّ التحايا للزنود السمر التي نبشت الأنقاض للبحث عن روح ناجية هنا، أو سماع صوت يستغيث هناك، وكلّ التحايا لكلّ من قطع المسافات من الجنوب والغرب والشرق لإغاثة ذوي الضحايا الذين قضوا ليال في العراء وعانوا البرد القارس.
كارثة الزلزال مع أنها كانت قاسية وأزهقت الأرواح وتسببت بارتداء الثياب السوداء لمن ودع حبيباً أو صديقاً أو أنيساً، ونشرت الحزن في الأرجاء، إلا أنها أعطت دروساً وعبراً في العطاء والتضحية والكرم وجبر الخواطر، والإحساس بالآخر، وقدم السوريون في الداخل والخارج نماذج يقتدى بها في الإيثار وتفضيل الآخرين على الذات، ورسخت قيماً ومبادئ نعتز بها، كما عززت قيمة الأصدقاء والأشقاء الذين لم يدخروا جهداً في تقديم المساعدات ومد يد العون لإخوانهم السوريين المنكوبين، كإقرار على رد الجميل السوري الذي كان وطننا يبادر فيه لأشقائه وأصدقائه أثناء الكوارث والمحن.
كلّ التحايا لكلّ صدردافئ ومنزل فتح أبوابه لاحتضان أطفال فقدوا حنان عائلاتهم، ولكلّ شاب أعطى من دمه ووقف في طوابير التبرع مشمراً عن ساعده دون أي بطاقة الكترونية أو رسالة نصية للحضور، ثم ذهب مسرعاً لإكمال واجبه بحمل السلل الغذائية والدواء والماء والشراب للمتضررين ومن تهدمت منازلهم ويقيمون في العراء، ويوصل لهم رسالة مفادها، أن الهم مشترك والمصاب واحد ومؤلم للجميع، تحية لكلّ هؤلاء من سورية وخارجها..
كلّ التحايا إلى أصحاب الأيادي البيضاء من الأمهات والأخوات التي تركت منازلها وعائلاتها لتطمئن على العائلات المنكوبة في أماكن إيوائها لتغطي النائمين المتعبين وتمسح عن وجوههم دموع الحزن، وتخفف عنهم آلامهم وأوجاعهم، وذلك في المساجد والكنائس والمدارس والشوارع والمخيمات.
كلّ التحايا لكلّ من قدّم شيئاً ولو كان يسيراً، لأنه بالتأكيد سوف يملأ فراغاً، فمنهم من نزع جاكيته ومنهم من أخذ حراماً أو علبة دواء أو سلة غذائية، حيث الخير في القليل أيضاً، وقدّموا هذا لكلّ من خرج من تحت الركام ليكمل ماتبقى له من الحياة.
السوريون على امتداد ساحات الوطن ليس لديهم سيرة أو قصة غير ضحايا الزلزال والمتضررين، نسوا الغلاء والبرد، وأصبح كلّ معاناة أمام كارثة الزلزال سهلة.
فقد أصبحوا على انتماء واحد، فكلهم سوريون موجوعون يتألمون، فجميعهم يشعلون الشموع في الكنائس ويتلون القداديس و التعاويذ والتراتيل ويسجدون في المساجد، وهناك مجموعة من الشبان واليافعين وعمال الفاعل والموظفين من أصحاب الدخل المحدود، كلهم يخططون ويتدارسون طريقة لتخفيف المعاناة، وهناك عجوز أو سيدة مسنّة يتبرعون بما لديهم من بعض الوقود لتدفئة أجساد المتضررين في أماكن وجودهم.
هؤلاء هم السوريون
دموع ابن الجنوب والوسط تغسل دماء ابن الشمال والساحل،
و محادثات أبنائنا وأخوتنا في الاغتراب وأماكن اللجوء لاتخلو من حديث عن كارثة الزلزال، وهم يجهزون لإرسال مايستطيعون لأهلنا في المناطق التي ضربها الزلزال.
رغم قسوته، عسى أن يعلمنا الزلزال المحبة من جديد والشعور بمن حولنا، وعسى أن تكون تلك القيم التي مارسها أهلنا خلال هذه الفترة نهجاً للسير عليه في قادمات الأيام، حيث لا نعرف ماذا تخبئ لنا الأقدار .
نتمنى أن نكون قد تعلمنا من دروس الزلزال، وندرك أن لاجيوب للأكفان وأن نجعل من المال وسيلة للعيش بسلام وليس غاية على قائمة الأولويات، نسامح نصالح وندع الخلق للخالق.
العدد 1133 – 21-2-2023