حسين صقر:
الكوارث والأزمات لا تلقننا دروساً في التكافل الاجتماعي، إنما العلاقات الاجتماعية أيام السلم والرخاء، لأن مجتمعنا أصلاً اعتاد ممارسات نبيلة وسلوكيات حميدة، لكن تلك الكوارث تعيد لدينا بعض الحسابات في أوقات نشذُّ فيها قليلاً عن القاعدة، ونخرج عن الإطار الذي يجب أن نكون فيه، لجهة الشعور والإحساس بالآخر، والتمني للغير كما نشتهي لأنفسنا.
وكارثة الزلزال الذي ضرب المناطق الشمالية والساحلية من البلاد في السادس من الشهر الجاري، تعيدنا إلى تلك الحسابات وضرورة التعلم الاجتماعي الوجداني الذي يوقظ بأفراد المجتمع القيم النبيلة والأصيلة، ويشجعهم على الأفعال الخيرة وزرع بذور العطاء والتضحية والإيثار.
و التعلم الوجداني يدرسه التلاميذ في المدارس، وهذا بالتأكيد أمر جيد، لكن تطبيق ما يتعلمونه في حياتهم وسلوكهم ليس أهم من التعلم، ولكن يكمله ويتوجه الفعل، كما أن تعلمه خطوة هدفها إضفاء نوع من الشعور الإنساني إلى متلقيه، و الكثير من السمات التي تجعله قادراً على الاندماج في المجتمع، و تعلم التسامح والتعاون والتنكر للأنانية وحبّ الذات.
الاستقبال والاستجابة
وأول ما يتعلمه الإنسان وجدانياً هو الاستقبال والاستجابة، وتقييم الأفعال، والتنظيم وتمييز تلك الأفعال، لأن التعليم الوجداني هو عبارة عن تكوين للمشاعر والأحاسيس واكتساب العادات الانفعالية وتحديد الميول والاتجاهات والقيم وذلك يكون نحو الأشخاص والمجتمع.
السوريون لم يتلقوا هذا التعليم في المدارس، ومادة الوجدانيات حديثة العهد في المؤسسات التعليمية، ولكنّهم تعلموه في منازلهم وأماكن عملهم ولقنوه لغيرهم، وما مروا به هذه الأيام يؤكد التلاحم الشعبي والأهلي والوطني الذي نشؤوا عليه، لأنهم بذلوا ما بوسعهم لتجاوز أزمتهم ومحنتهم والكارثة التي ألمّت بهم.
وبالتالي فإن ما يتعلمه أبناؤهم، في مناهجهم يهدف إلى تطوير الوعي الذاتي ومهارات الإدارة الذاتية، وزيادة وعي الطالب الاجتماعي وتعزيز تلك المهارات في التعامل مع الآخرين، و تعزيز مهاراته في اتخاذ القرارات والسلوكيات المسؤولة عن تكوين الشخصية في الحي والشارع والمدرسة.
وفي هذا الإطار يقول المرشد الاجتماعي و مدرب المهارات الذهنية حسن التلاوي: أثناء حدوث التعلم المعرفي والتعلم المهاري، يمكن أن تتكون اتجاهات الطلاب تجاه الآلة والأداة والأشخاص، ويبدأ المتلقي التعلم أولاً بأول منذ طفولته، و يكون ذلك من خلال تفاعله بصورة مستمرة مع البيئة، وكذلك التعلم الوجداني، سوف يؤدي به بالضرورة لحدوث استجابات وجدانية، ويصدر بعضها بالتعبير عن القَبول، والبعض الآخر بالرفض.
وأضاف تبدأ النتيجة المترتبة على تكرار هذه الاستجابات بنفس الأسلوب في مواقف متعددة نحو موضوع أو أمر معين، إلى أن يكبر وتتزايد عنده تلك الاستجابة، ويتكون لديه نمط معين من السلوك الوجداني الذي يظهر بصورة ملحة في المواقف التي تؤدي إلى استثارة هذا السلوك الذي يتكون من مكونات معرفية وانفعالية وأدائية وأضاف التلاوي يقوم الذكاء العاطفي بتنمية مستويات ذلك التعليم الذي يتم بوجود خمسة مستويات لتحقيق أهداف تربوية، وهذا أيضاً يتم بطريقة تدريجية منتظمة، حيث ينتقل المتعلم من مستوى الوعي بموضوع التعلم إلى مستوى تحكم الموضوع في سلوكه.
نظام متماسك للقيم
وأوضح المرشد الاجتماعي أن الكثير من الناس أثاروا تساؤلات حول ما هو التعليم الوجداني، وكان ذلك بعدما تمّ إضافة تلك المادة في المواد الدراسية في المدارس، لنقول :إنها خطوة جديدة هدفها بناء نسق أو نظام متماسك للقيم يرتب نوعاً مختلفاً من العلاقات، ليصار إلى تطبيقها عند أول مواجهة كما حصل في الفترة الأخيرة أي خلال وقوع كارثة الزلزال، وهنا يدرك المتعلم ويفهم كيفية ارتباط القيم بالواقع .
وقال التلاوي لا أحد ينكر بأن التعليم يمثل دوراً أساسياً في الحياة، لكن قرن القول بالفعل هو أساس العملية العلمية، والمدرسة تقوم بتدعيم وتقوية ما هو مقبول من القيم، وبالتالي اكتساب عادات جيدة و جديدة.
وختم حديثه بالإشارة إلى أن هذا النوع من التعليم يعد حلقة وصل مهمة تربط بين الطالب واحتياجاته، و الدراسات أثبتت وجود علاقة إيجابية دالة إحصائياً بين التعلم الاجتماعي الوجداني للطلاب وأدائهم الأكاديمي، يتمثل في ارتفاع وتحسن في التحصيل الأكاديمي مع الوقت، وارتفاع في نتائج الاختبارات أثناء التطبيق، فضلاً عن أن التعلم الوجداني مهم أيضاً في تحسين الكفاءة الذاتية والصحة النفسية.