الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:
إنها حكاية تاريخ كنوز لا تقدر بثمن فقدت بالإهمال وأعيد بعضها بمحض المصادفة، وهو تاريخ بلد تم اجتياحه وحلت به المآسي منذ عشرين عاماً.
على يد الأنغلوأميركي فقد العراق الكثير من تراثه التاريخي الذي يعد أقدم حضارة بشرية.
في نيسان 2003 استباح الجنود الأميركيون بغداد ونشروا الفوضى وعلى مدى أيام أتاحوا المجال لعصابات السطو أن تعيث وتفتك في متاحف بغداد على مرأى الجميع وأمام الصحفيين.
المتحف الوطني الأهم والأغنى بينها الواقع في قلب العاصمة العراقية اختفت منه خلال أيام نحو 15000 قطعة أثرية بابلية وآكادية تعود إلى 2000ق.م قطع خزف وخناجر فارسية قديمة ألواح صلصال سومرية مزخرفة بنصوص مسمارية أقدم كتابات عرفتها البشرية.
وبعد سنوات من الاحتلال تم العثور على ثلث هذه المسروقات فقط لكن أغلبها عاد مكسوراً مهشماً.
هناك شبكات عالمية منظمة لتسويق هذه التحف وإعادة بيعها وهذه الشبكات موجودة في جميع أصقاع العالم في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية.
العراق الذي يمتلك 12000 موقع أثري معروف أغلبها بعيدة عن المدن جرت عمليات النهب فيها بطريقة منظمة ومدروسة وبأقل تقدير هناك 3200 قطعة اختفت من هذه المواقع ولاستعادة كنوزه طلب العراق مساعدة الانتربول الدولي ورجال الشرطة والجمارك العالمية.
لقد تم استرجاع 1500 قطعة من الولايات المتحدة الأميركية وفي ربيع عام 2008 أعيدت 638 قطعة منها إلى العراق تماثيل وأنصال رماح ومصنوعات زجاجية وفخارية بعض منها يعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد ويقال إنه تم إرسالها بأمر من الجنرال بتراوس الذي كان قائد القوات الأميركية في أفغانستان بعد أن تم تصويرها وتأريخها وفهرستها وتغليفها حسب الأصول من قبل خبراء في نيويورك هذا ما أكده جنرال أميركي.
لكن المتحف الوطني يفيد بأن لا وجود لهذه العائدات ويؤكد ضباط عراقيون أنهم بحثوا في كل مكان ولم يجدوها وقد علق ناطق باسم المالكي قائلاً: ليقدم لنا الأميركيون دليلاً بأنهم سلمونا فعلاً الـ 638 تحفة.
ومن بين الكنوز تمثال دون رأس للملك أنتمين من مدينة لاغاش الذي سرق من المتحف ويعود تاريخه إلى 4400 سنة أيضاً زوج من الأقراط من ذهب النمرود و 362 لوحة كتابة مسمارية هناك أيضاً تحف حديثة العهد منها كلاشينكوف ملبس بالكروم من بدايات صدام حسين وآخر مطلي بماء الذهب لم تتم إعادته.
لكن عملية التسليم الأخيرة أثارت التساؤلات أين هي 638 قطعة المعادة عام 2008.
هذا السؤال وجهته صحيفة لوموند حينها إلى المديرة المسؤولة في المتحف التي أعربت عن أسفها وعجزها عن الجواب إلا بقولها: لقد شكل رئيس الوزراء لجنة خاصة للبحث عن الآثار، أيضاً توجهت الصحيفة بالسؤال إلى مدير قسم البحث عن الآثار القديمة المفقودة والمكلف البحث على الحاسوب وسبر أكبر عدد ممكن من بيانات صالات العروض التي يجري فيها المزاد العلني لمحاولة تحديد بيع القطع المسروقة ولتنفيذ هذا العمل الضخم تم فرز ثلاثة موظفين فقط أحدهم يقرأ الإنكليزية وجهازي حاسوب عفا عليهما الزمن ولم تخصص أي ميزانية يقتضيها الذهاب إلى مكان البيع المشبوه.
في عام 2008 تم الإعلان عن الحاجة لتجنيد نحو 10000 شخص للعمل بما يسمى شرطة أو أمن التراث على أن يتم تدريبهم لدى الأميركيين غير أن العدد الذي تم تطويعه لم يتجاوز مئتي شخص، فريق منهم يتواجد في بغداد قابع في المكاتب دون جدوى يضاف إلى ذلك إهمال الحكومة التي يقع على عاتقها مهمات كبرى.
وجاءت داعش لتقوم بالبقية مما فعله الاحتلال الأميركي، وقصة تدمير المتاحف والأوابد العراقية والسورية مازالت معروفة وستبقى شاهداً على القاسم المشترك العدواني الذي يجمع داعش مع الاحتلال الذي صنعها.
العدد 1134 – 28-2-2023