الثورة – هفاف ميهوب:
يقول الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي “زيغمونت باومان”: “إن عولمتنا السلبية ستجعل الكارثة محتومة، إذا لم نهذّبها ونروّضها، فهي عولمة تتأرجح بين تجريد الأحرار من أمنهم، ومنحهم الأمن في شكل اللاحرّية”..
إنه ما قاله بعد أن رأى الخوف يستشري في كلّ أنحاء العالم، ويؤدي إلى “حالة اللايقين التي نعيشها”.. “الخوف السائل” كما أسماه، وهو المصطلح الذي أطلقه عليه، بعد أن وجده قد فقد صلابته في مرحلة ما بعد الحداثة.. المرحلة التي زادت من انتشاره، ومن انعكاساته الخطيرة على المجتمعات البشرية التي باتت تخشى كلّ مجهول بالنسبة لها، وكلّ ما تتوقّعه أو يحيط بها، كالحروبِ والكوارث الطبيعية والموت.
لكن، وإن رأى “باومان” بأن الشعور بالخوف، يتساوى لدى البشر والحيوانات، إلا أنه وجد بأن البشر، يشعرون وبالإضافة إلى هذا الخوف، بعدم الأمان، وبترقّب ما يتوقعونه يحمل حدثاً سيئاً، وهو ما أطلق عليه “الخوف الُمعاد تدويره”.
وعن سبب إعادة تدوير هذا الخوف، فتعود برأيه إلى إخفاق الحداثة في استئصاله، مثلما في تحقيق الأمن الاجتماعي، وبالتالي تفاقم انتشار الخوف في المجتمعات، وهو ما أسماه “تأميم الخوف”.
هذا ما تناوله “باومان” في كتابه “الخوف السائل”.. الخوف من المجهول، أو “الخوف من الموت” وفي مجتمعٍ حداثويّ قال عنه:
“نعيش في مجتمعٍ حديث سائل، لا يعترف إلا بيقينٍ واحد، وهو أن الغد ليس ما يمكن أن يكون، أو ما ينبغي أن يكون، بل ما يكون، وما يكون اليوم تحديداً، فلا بدّ من التدريب المستمرّ على الاختفاء، والذوبان والرحيل، وهذا يعني ضمناً، التدريب على لا نهائية الموت”
“الخوف من الشرّ” هو ما تناوله “باومان” أيضاً، وسواء أكان هذا الشرّ من صنع البشر، أو مما ينتج عن الطبيعة، ويُشعر الإنسان بالحيرة والعجز والقلق والذعر، ولأنه حسب وصفه:
“الخوف الذي نخشاه بحقّ، ولا طاقة لنا به قط، هو الخوف من الشعور بأن الشرّ لا يُقهر “..
بالتأكيد هي “أهوال العولمة” التي قضت على القيم والأفكار الإنسانية، لصالح عولمة الاقتصاد والجريمة والإرهاب والإبادات الجماعية..
كلّ هذا، دفع”باومان” للسؤال: ما الحلّ؟!..
طبعاً، نصائحه وحلوله قد لا تُجدي بعد أن استشرى الخوف مثلما الشرّ في العالم.. نصائحه لا تُجدي، بمعرفة جذور الخوفِ واستئصالها، أو مواجهته بالتفكير والأمل لطالما، مُذ بدأ كتابه وحتى انتهى منه، وهو يؤكّد بأن العولمة قد فاقمت من الشرور، وبالتالي من الخوف، وإلى الدرجة التي جعلته يرى:
“القرنُ القادم قد يكون، قرن الكارثة الكبرى”.