كم كان لافتاً، ومثيراً للدهشة، ما تفوهت به وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولون، في كلمتها أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بأنه على حد ادعاءها يجب مساءلة من زعمت أنهم مجرمي الحرب الروس الذين يرتكبون ما سمته جرائم حرب في أوكرانيا، لأنه حسب كلامها لا سلام من دون عدالة!.
ما أدلت به المسؤولة الفرنسية لم يكن مفاجئاً، لأنه بشكل أو بآخر ينطلق من العقلية الاستعمارية الفرنسية التي لطالما عهدناها، وعرفناها جميعاً، وبالتالي فإن تعمد كولون قلب الحقائق على الأرض، ولصق تهم ارتكاب جرائم الحرب بموسكو، والمطالبة بمحاسبة الروس على ذلك، يندرج ضمن اطار محاولة باريس استرضاء واشنطن، وتنفيذ إيعازاتها وسيناريوتها على المنابر السياسية، وفي الأروقة الأممية والدبلوماسية.
ومع ذلك فإننا يمكننا القول: إنه ربما أصابت المدعوة كولون، عندما قالت: إنه لا سلام من دون عدالة، وأنه لا بد من محاسبة المجرمين، ولكن هذا الكلام إن كان ينطبق على أحد، فهو ينطبق أولاً وأخيراً على نظام بلادها الفاشي العنصري، الذي خلف ملايين الشهداء، والأرامل، والثكالى، والجرحى في الدول التي احتلها، ونهب ثرواتها، ولعل سورية والجزائر بلد المليون شهيد، وغيرها من الدول، تبقى شاهداً حياً على ما نقول، وجرائمها في تلك الدول تبقى وصمة عار يستحيل أن تمحوها كل شعارات حقوق الإنسان البراقة، التي لا تعدو عن كونها جواكر على طاولة القمار السياسي، لتكون قيد الابتزاز الميداني لا أكثر ولا أقل.
ولكن ليست فرنسا وحدها بنظامها الاستعماري من يجب محاسبته، واقتياده إلى المحاكم الدولية كمجرم حرب، بل هناك أيضاً الأمريكي الذي لا يقل في دمويته عن الفرنسي، لا سيما إذا ما نظرنا بعين المتأمل إلى هول ما اقترفه من مجازر بحق البشرية جمعاء، من هيروشيما، وناغازاكي، مروراً بالعراق، واليمن، وليبيا، وصولاً إلى سورية، وما ارتكبه فيها من جرائم بحق الإنسانية، من حصار وعقوبات غير شرعية، إلى تدميره الرقة عن بكرة أبيها بقنابل فوسفورية حارقة محرمة دولياً.
حال كولون هنا كمن يقتل القتيل، ثم يمشي في جنازته، ليس هذا فحسب، وإنما ينعيه، ويتقبل فيه العزاء، فالقاتل الحقيقي للشعب الأوكراني، هو نفسه النظام الأوكراني الذي ارتضى الانصياع للأمريكي في لعبته المكشوفة ضد روسيا، أما موسكو فإن كل ماقامت به، ومنذ بدأت عمليتها العسكرية الخاصة في دونباس، كان لحماية مواطنيها، وهو الأمر الذي تكفله جميع المواثيق والدساتير العالمية.
موسكو ماضية في عملياتها الدفاعية، رغم أنوف المزاودين، أما كل هذا النعيق الغربي، فإنه لن يجدي نفعاً، فحق روسيا في حماية أمنها القومي واضح، وتكفله القوانين والمواثيق الدولية.