شتان بين الترحيب والقلق والمخاوف التي تصدر عن الأطراف الدولية كمواقف رسمية أو كردات فعل تجاه أمر ما مهم على المستوى الدولي، أو الإقليمي أو المحلي الوطني، ومن خلال هذه المواقف يستطيع المراقب أن يقيم هذا الحدث المهم ونتائجه على دول وشعوب المنطقة التي تم فيها، من خلال قراءة ما بين سطور تصريحات المسؤولين وتعليقات وسائل الإعلام حول هذا الموضوع أو ذاك.
وفي هذا السياق نستطيع أن نقول: إن الاتفاق الإيراني السعودي على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض يبشر بانفراجات كبرى في المنطقة والعالم، وسينعكس هذا الاتفاق على الشعبين الإيراني والسعودي وشعوب المنطقة برمتها بشكل مباشر، وهذا بالتالي سيقود إلى الاستقرار الإقليمي والأمني الذي يعد أهم المواضيع التي تشغل بال حكومات منطقتنا، مقابل النزعة العدوانية التي تجسدها سياسات الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها “إسرائيل” وأتباعها الأوروبيون.
ونحن هنا لسنا بصدد الغوص في هذا الاتفاق المهم للغاية والنتائج المرجوة منه على كل المستويات والصعد، بقدر ما نقرأ الردود التي صدرت عن الأطراف الدولية منذ الإعلان عن هذا الاتفاق إلى اليوم لوضع تقييمات أولية مرتبطة بشكل مباشر بكل طرف وردة فعله على هذا الاتفاق.
فعندما ترحب موسكو والعواصم العربية والدولية باستئناف العلاقات السياسية بين الجارتين إيران والسعودية، فهي تعبر عن سياستها الخارجية القائمة على مبادئ الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، وهي تسعى أيضاً إلى جانب الصين مهندسة هذا الاتفاق وصاحبة مبادرة الأمن العالمي إلى خفض مستوى التوتر ونشر بوادر الحوار واللقاء بين دول الجوار وأبناء المنطقة.
بالمقابل نجد أن الموقف الأميركي الملتبس ينمُّ عن هواجس ليس لها وجود على أرض الواقع السياسي والاجتماعي لشعوب المنطقة، وبالتالي فهو يمثل رؤية سياسية أميركية منغمسة في الإرهاب ونشر الحروب وبث العداوات بين إيران ومحيطها العربي، وفي كل مكان تستطيع أن تصل إليه يد التخريب الأميركية، وذلك لتكريس سياستها العدوانية تجاه كل الدول والحكومات التي تتبنى مواقف وطنية وإقليمية تتعارض مع أوهام واشنطن بالسيادة والتفرد بقيادة العالم.
أما الموقف الذي تميز بشكل لافت، فهو موقف الكيان الصهيوني الذي يعيش حالة من التخبط والهيستريا نتيجة للتقارب السعودي الإيراني، بعد سنوات من التجييش وبث بذور الكراهية ضد جارة دول الخليج العربي إيران التي ترتبط مع الدول العربية بعلاقات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية عمرها آلاف السنين، الأمر الذي أدخل حكومة العدو بحالة من الخوف والقلق لا يعرف حجمها سوى حكّام الكيان الصهيوني، لأنهم لا ينتمون للمنطقة وطارئون على تاريخها وثقافتها.