الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
احتفل قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بالكشف عن خطط الغواصة النووية AUKUS وسط ضجة كبيرة في القاعدة البحرية في سان دييغو، كاليفورنيا منذ أيام، وكان هذا إهانة علنية لفرنسا التي خدعوها، وتستراً وخداعاً للشعب الأسترالي، ونوعاً من التبجح للدول المجاورة، كما أنها كانت بمثابة ضربة للآلية الدولية الهشة بالفعل لعدم الانتشار النووي، ومن الواضح أنها كانت خطوة خطيرة للمجتمع الدولي بأسره.
وفقاً للاتفاقية، ستشتري أستراليا ما يصل إلى خمس غواصات أمريكية تعمل بالطاقة النووية في السنوات القليلة المقبلة، ما يعني أن أستراليا ستصبح الدولة السابعة في العالم التي تمتلك غواصات نووية، ومن المتوقع أن يتحمل السلام والاستقرار في المحيط الهندي ومنطقة المحيط الهادئ التأثير والضغط والمخاطر الناجمة عن هذه الاتفاقية لفترة طويلة، حتى إن بعض وسائل الإعلام الأمريكية وصفته بـ “علامة فارقة”.
لقد أحدثت هذه التسمية الخاطئة الواضحة تأثيرات ساخرة، لكن الاتفاقية قد تصبح بالفعل حجراً حاداً للولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا لجر منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى حرب باردة جديدة، وهذا ما يقلق الجميع.
من أجل الحصول على الغواصات الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية، قد تضطر أستراليا إلى إنفاق ما يقرب من 250 مليار دولار، لكن هل يوجد في أستراليا الكثير من المناجم وهل هي غنية جداً؟.
يوجد في أستراليا بالفعل مناجم، لكن الحياة في أستراليا ليست غنية بالنسبة لمعظمها، والوضع الاقتصادي الحالي سيئ للغاية، مع وجود عجز هيكلي ضخم في الميزانية، و250 مليار دولار يعادل حوالي عامين من إنفاق الرعاية الصحية العامة في أستراليا.
من أجل دفع هذا المبلغ الضخم من المال، فإن أستراليا ملزمة بالضغط على الرعاية الاجتماعية، بعبارة أخرى، سيضطر 25 مليون أسترالي في النهاية إلى دفع الفاتورة من خلال التوفير.
سؤال آخر، هل أستراليا في خطر من دون غواصات أمريكية تعمل بالطاقة النووية؟ الجواب بالتأكيد ” لا”، فالأمر لا يقتصر على أنَّ أستراليا ليست في حاجة إليها، ولكنها ستعرض نفسها بالتأكيد للخطر من خلال شرائها، حيث تتمتع أستراليا، المعزولة في جنوب المحيط الهادئ وبعيداً عن المناطق الساخنة الأخرى في المنطقة، بميزة جغرافية فريدة نسبياً، فهي لن تُهاجم من أي دولة، وقد توفرت لأستراليا الظروف اللازمة لإنفاق مواردها الرئيسة وطاقتها على تحسين معيشة الناس.
إن إحساس أستراليا الذي لا يمكن تفسيره بانعدام الأمن عند مواجهة الصين هو في الأساس نتيجة لسيطرة واشنطن عليها لسنوات عديدة، وهي تعتقد أنها “نائب عمدة” منطقة آسيا والمحيط الهادئ في عهد واشنطن .
إن اتفاقية AUKUS هي في الواقع خدعة كبيرة للولايات المتحدة بشأن أستراليا، وهي ما يعادل مطالبة أستراليا ببناء قاعدة غواصات نووية لإنتاج غواصات خاصة بها، ولكن الأهم من ذلك، الحفاظ على الغواصات النووية للولايات المتحدة وبريطانيا وضمانها، وتسليمها لقيادة البحرية الأمريكية، هذا إضافة إلى مئات المليارات من الدولارات التي يجب أن تدفعها أستراليا نفسها لمتابعة معدات الغواصات النووية وصيانتها، وتدريب الأفراد وغيرها.
في السياق الإنكليزي، يشير مصطلح “الفيل الأبيض” عادة إلى شيء عديم الفائدة، ولكنه مكلف وغريب الأطوار، وكان من الممكن أن يكون من الأفضل لو كانت الغواصات النووية للولايات المتحدة مجرد أفيال بيضاء، لكنها أيضاً نذير شؤم، فقد اشترتها كانبيرا مرة أخرى بمبلغ ضخم من المال، وستحول أستراليا إلى منزل مسكون، ما يعرض المنطقة بأكملها للخطر ويجعل سنوات من جهود دول جنوب المحيط الهادئ في بناء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ، والتي تحميها معاهدة رسمية، تواجه خطراً كبيراً.
والصين لا تعارض ذلك بشدة فحسب، بل إن دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا غير راضية تماماً، كما أنَّ نيوزيلندا تمنع مباشرة الغواصات النووية الأسترالية من الوصول إلى مياهها.
في اليوم نفسه الذي اجتمعت فيه الدول الثلاث، أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تقريراً جديداً حول استيراد وتصدير الأسلحة العالمية، ويُظهر التقرير أنَّ حصة الولايات المتحدة من صادرات الأسلحة العالمية قد ارتفعت من 33٪ إلى 40٪ ، وأنَّ الواردات إلى شرق آسيا ودول معينة في مناطق أخرى تشهد توتراً جيوسياسياً مرتفعاً، وهذا كله يدخل في حسابات واشنطن.
انظر فقط إلى ما تصدره أمريكا: أسلحة للقتل، أزمات من جميع الأنواع (تداعيات انهيار بنك وادي السيليكون)، والأكثر تدميراً على الإطلاق هو الخبث الجيوسياسي، الذي تستخدمه أمريكا للسيطرة روحياً على أستراليا.
المصدر – غلوبال تايمز