الملحق الثقافي- د. ياسر صَيرفي:
عندما نكتب عن الأرض يبرقُ في مخيّلتنا صراخُ الشّاعرِ الفلسطينيّ «محمود درويش» عندما قال: «على هذهِ الأرضِ ما يستحقُّ الحياةَ» فقد جعل الأرضَ مَبعثاً لاستمرارِ الحياةِ، ولعلّ هذه المكانةَ التي حملَتْها الأرضُ ليسَتْ في نظرِ الأدباءِ فحسب، بل في نظرِ كلِّ مَنْ استوطَنَها واحتضنَتْه، لِذا كانَ لِزاماً علينا أن نخصِّصَ لها يوماً هو «يوم الأرض»، وهذا إقرارٌ عالميٌّ بأهميَّتِها، والأرضُ بصوتِها الذي لا يخفتْ تنادي أهلَها كلَّ «آذار» كي يخلِّدوا ذِكراها، حالُها حالُ الأمّ التي يحتفي بها أبناؤها في عيدِها، فالأمُّ والأرضُ عروةٌ وُثقى لا انفصامَ بينَها.
ولاشكَّ في أنَّ أمَّنا الأرضَ اليومَ تناجينا من أعماقِها، لِما أصابَها من كوارثَ طبيعةٍ وبشريّةٍ، فمِنْ تلوُّثٍ إلى قَضمٍ نَهِمٍ للأشجارِ إلى فيضاناتٍ وزلازلَ وأمراضٍ وتغيُّراتٍ في المناخِ كانَتْ كفيلةً في أنْ تضعَ العِصيَّ في عَجلةِ الأرضِ التي تسيرُ قُدُماً إلى هدفٍ رسمَهُ اللهُ تعالى لها، وهو خدمةُ الإنسانِ، فعلينا أن نكونَ أكثرَ انسجاماً وتصالحاً مع الطبيعةِ والأرضِ، كي نستعيدَ عالمَنا الذي يتّجهُ إلى الضبابيّةِ والمجهولِ.
وإذا كانَ لكلِّ عيدٍ أيقونةٌ فإنَّ أيقونةَ يومِ الأرضِ هي «الشعب العربيّ الفلسطينيّ» الذي برهنَ على امتدادِ الأرضِ في الجسدِ الفلسطينيّ، فكانَتْ أشعارُ الفلسطينيّين مُلتصِقةً بالأرضِ التصاقَ الرّمشِ بالرّمشِ، وهي- لِمَن يفهمُ معناها ويدركُ قيمةَ التشبُّثِ بالأرضِ- خفقانُ قلبٍ، وتحليقُ روحٍ، وقيثارةُ وجدانٍ، وحروفُ تأريخٍ، وحَميَّةُ غُيّورٍ، وفي هذا اليومِ الجميلِ الجليلِ ننادي مَنْ قسَّمَ الأرضَ بالأسلاكِ الهَشَّةِ على الرّغمِ من توحُّدِها مُذْ مرَّتْ بها النيازكُ، نناديه بصوتِ الشَّاعرِ «بابلو نيرودا» الذي اختصرَ السَّلامَ بقولِه:
كفا… كفانا عراكاً… لا نودُّ أنْ نخسرَ أرضاً ودماءً… إنّنا نَنْشُدُ حبَّكِ…
أيّتُها الأمُّ الخِصبةُ… يا أمَّ الخبزِ والإنسانِ.
العدد 1138 – 28-3-2023