ثورة أون لاين :
فشل مشروع الهيمنة الغربية على المنطقة انطلاقاً من الميدان السوري، فانتقل المخطط الى الميدان العراقي ليتخذه مسرحاً بديلاً يعوض فيه إخفاقه، وخاصة أنه يرى في هذه الدولة كيانا واهناً قابلاً لتمرير المشروع بعد أن دمرت مؤسساته ونشرت فيه بذور الطائفية والمذهبية واعتمد له دستور يرسي نظام التنازع عبر الشكل الاتحادي .
نقل الغرب مسرح عملياته مع تطوير لأهداف العدوان، ففي حين كان العدوان على سورية يهدف الى وضع اليد عليها وتغيير موقعها الاستراتيجي واستطرادا تقسيمها ضمن مشروع الاقواس الثلاثة، فإنه في العراق جعل التقسيم هدفا يوزاي هدف وضع اليد بحيث يوضع العراق بين خيارين إما القبول بالتنكر لجغرافيته السياسية ومعاداة محور المقاومة لفصل شرقه عن غربه خدمة للاستراتيجية الاميركية في المنطقة، أو التقسيم بدءاً من اقليم كردستان العراق الذي رعت أميركا حكمه الذاتي القديم وجعلته إبان احتلالها يمتلك معظم مقومات الدولة المستقلة.
لأجل ذلك كانت «مسرحية الموصل الداعشية» برعاية اميركية وحضانة اقليمية من قبل الدول المسيَّرة بالقرار الاميركي، وبتنفيذ من قبل مليشيات محلية من عرب وكرد . لقد كانت تلك المسرحية مؤشرا واضحا للانتقال الاميركي من خطة الى خطة ومن مسرح الى مسرح، وقد حاولت اميركا وقبل التلويح بخطة التقسيم ممارسة خديعة «الحكومة الجامعة» التي طرحت
مثيلها في سورية من اجل استبعاد الحكومة الوطنية التي تأتي بها صناديق الاقتراع، لكنها اصطدمت برفض عراقي كرر الرفض السوري لخدعة جنيف ومسرحية «الحكومة الانتقاالية ذات الصلاحيات الشاملة» المعينة من الخارج.
بعد الرفض الوطني العراقي لم تتمسك اميركا بالطرح – الخديعة ( نفت علانية سعيها اليه ) وانتقلت مباشرة الى الخطة «ب» في المشروع وهي خطة التقسيم الذي جاهر به من يعرف بعميق ارتباطه بأميركا واسرائيل مسعود البرازاني رئيس اقليم كردستان . ومع هذه التطورات باتت الاهداف الحقيقية ل»مسرحية الموصل الداعشية « واضحة بما يفرض المواجهة الدفاعية التي يجب ان ينخرط فيها كل معني بوحدة العراق، بدءا بالعراقيين أنفسهم ومعهم مكونات محور المقاومة المستهدف الاساس بالعدوان.
فضلا عن ذلك نرى أن المحافظة على وحدة العراق ومنه وحدة دول المنطقة هي الآن مسؤولية دول المنطقة جميعا لأن التقسيم إن نجح في العراق فلن يتوقف عند حدودها بل سيكون بداية لتطبيق خريطة بايدن التقسيمية التي كانت أساسا هدف صاحب نظرية «الفوضى الاميركية المدمرة « النظرية التي أعلنتها كونداليزا رايس للمنطقة وحددت «داعش « حدودها في المرحلة الاولى من العراق والكويت شرقا الى لبنان وسورية غربا والاردن في الوسط واقحمت فلسطين المحتلة حيث يبرر للكيان الاسرائيلي التدخل خدمة للمشروع (اعلنت اسرائيل انها ستتدخل عسكريا للدفاع عن الاردن).
نقول حدود المرحلة الاولى لأن التقسيم إن نجح في العراق فإنه سيمتدد الى السعودية ومصر بشكل مؤكد وفقا لما كانت اشاعت دوائر الاستخبارات الغربية بهذا الصدد وعممت يومها خرائط تقسيم 6 دول عربية الى 14 دولة عرقية أومذهبية أوطائفية وتغيير وظيفة الاردن ليكون الوطن البديل.
التقسيم إذاً هوهدف العدوان الغربي على المنطقة اليوم، وكل كلام آخر أعتقد انه تبسيط للمسألة أوتضليل في البحث، وهنا نتوقف عند التصرفات الكردية في الايام التي تلت «مسرحية الموصل الداعشية «خاصة الاعلان الكردي الصريح على لسان مسعود البرزاني، اعلانه بأنه « حان الوقت ليقرر الشعب الكردي مصيره وأن يقيم دولته المستقلة «، كما لا يمكن الا ان نضع احتلال الاكراد لكركوك ومجاهرتهم باسقاط المادة 140 من الدستور العراقي الاتحادي المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، إلا في سياق التقسيم وتوسيع حدود الاقليم الساعي للاستقلال ، في مسيرة يرعاها كما ظهر جليا وزير الخارجية الاميركية ووزير الخارجية البريطانية اللذين زارا اربيل وتعاملا معها كانها عاصمة لدولة مستقلة على قدم المساواة مع بغداد، كما ورعايتهما لتصدير النفط العراقي بقرار كردي متخذ خارج سلطة الحكومة المركزية وخلافا للدستور . ثم ليس صدفة ان يعلن وزير خارجية العدو الاسرائيلي بأن اسرائيل ستكون اول من يعترف باقليم كردستان اذا اعلن قيامه دولة مستقلة.
كل ذلك يقود الى القول تقسيم العراق بدأ انطلاقا من اقليم كردستان لانه الوحيد المهيأ الآن لمثل هذا الامر وفقا لما وفره له الاحتلال الاميركي للعراق، وسيليه – ان نجح استقلال الاقليم – اقامة الدولة الثانية على مساحة المحافظات العراقية الاربع ذات الاكثرية العربية السنية والتي تعمل «داعش» لانتاج ظروفها . ولم يعد السؤال الآن بعد هذه المظاهر والظواهر القاطعة، هل يقسم العراق ام لا، بل بات السؤال هل ينجح التقسيم ويستمر ؟
لقد كان دقيقا موقف المرجعية الدينية في العراق في التحذير من التقسيم، والمرجعية – كما يعرف ذووالخبرة – لا تطلق المواقف الا عندما تتيقن من الحقائق والواقائع وتلمس ضرورة التدخل لتنوير الناس وتحذيرهم من خطر وإرشادهم لما فيه خيرهم.
ونعود الى السؤال حول مدى نجاح المشروع التقسيمي في العراق ومنه الى المنطقة ونرى ان المشرروع حتى الآن ورغم امتلاكه عناصر تمكنه من النجاح منها الداخلية ( لجهة قدرات الاقليم وامكاناته، والتطور الذي حصل بعد مسرحية الموصل الداعشية)، ومنها الخارجية والدعم الذي يتلقاه الاقليم ( رغم بعض المواقف المعلنة التي تعاكس ذلك ). لكن تلك العناصر ليست كافية لنجاح المشروع، واذا نظم الدفاع عن وحدة العراق بشكل جدي فإن المشروع يمكن افشاله كما أفشل في سورية مشروع اسقاط الدولة وتفكيك محور المقاومة والهيمنة على المنطقة . وفي هذا المجال نرى ان معركة الدفاع عن وحدة العراق تفرض المواجهة على خطوط متعددة كالتالي :
1. سياسيا . الاسراع في االعملية السياسية لجهة اعادة تشكيل السلطة واجراء انتخاب رؤوساء المؤسسات الدستورية الثلاث في الدولة ( الجمهورية – مجلس النواب – الحكومة ) انطلاقا من نتائج الانتخابات العامة مع مراعاة منطق الوفاق الوطني في حدود مقبولة دون الوقوع في مثلبة المؤسسات المعطلة ذاتيا بالفيتو والفيتو المضاد . فالعراق بحاجة من اجل النجاح في المواجهة المصيرية تلك بحاجة الى سلطة قوية تملك قرارها وتملك القدرة على تنفيذه في الوقت المناسب وتثبت العراق في الموقع الذي تفرضه جغرافيتها السياسية، سلطة تنشىء دولة وفقا لمعايير الدولة بعيدا عن المحسوبية والفساد، واننا نرى في بوادر الاتفاقات الداخلية حول ذلك مؤشرا ايجابيا .
2. عسكريا . التعجيل في تطوير القوة العسكرية القادرة على التصدي للخطرين الميدانيين الداهمين حاليا، خطر المجموعات الارهابية العاملة تحت تسميات متعددة منها داعش وسواها لمنع امساكها بالمحافظات الوسطى الاربع (نواة الدولة الثانية )، وخطر المجموعات الكردية الانفصالية التي سيستند اليها في اعلان استقلال الاقليم . وهنا تكون الحاجة ملحة لقوة عسكرية ذات جناحين ينشآن في حضن الدولة : الجيش النظامي الذي ينبغي تنظيمه وتسليحه وتدريبه وفقا لعقيدة وطنية واضحة، وقوات شعبية تشبه مليشيا الدفاع في سويسرا اوجيش الدفاع الوطني في سورية اوقوات التعبئة الشعبية «باسيج « في ايران، وان ما بدأ في الميدان العراقي الان يثير الرضى في هذا الامر.
3. دوليا : هنا يقتضي حسم الموقف العراقي من دول الاقليم وخارجيا والدخول في تفاهمات وتحالفات مع الدول التي تعتبر نفسها متضررة جديا من التقسيم،وتتمسك بفكرة الاستقلال الحقيقي ورفض الارتهان للخارج وفي طليعتها اليوم دول محور المقاومة ( المحور من مصلحته لا بل من واجبه التدخل لنصرة العراق حفاظا على وحدته ) وروسيا التي اعلنت صراحة رفضها لهذا العدوان على العراق . ورغم ذلك فاننا نرى ان ما بدأ يتشكل من مواقف دولية على اهميتها، قد لا تكون شكلت حتى الان مانعا يثني المخطط عن خطته .
وعلى المقلب الاخر ينبغي الحذر من الاتكال على الغرب اوالطمأنينة الى مواقف اميركا المعلنة، حيث ان المعلن مناقض لما ينفذ على الارض، وتسليم الامر لها يعني تسهيل لنجاح المشروع وبشكل اكيد .
لقد دخلت المنطقة اليوم الحلقة الرابعة من حلقات المواجهة مع المشروع الغربي العدواني وهي حلقة العراق 2 بعد حلقات لبنان وايران وسورية، حلقة شاءها الغرب بعد فشله في الحلقات الثلاث رغم التدمير الذي انزله في المنطقة ، فشل في تحقيق هدفه الاستراتيجي في امتلاك قرار المنطقة والتحكم بها، ولهذا لجأ في الحلقة الرابعة لخطة التقسيم الذي يعول عليها لاشغال اهل المنطقة عن اسرائيل وعن النفط حتى يستمر في المحافظة على مصالحه المتصلة بهما . لكن هذا المشروع قابل للسقوط ايضا اذا تمت ادارة المعركة الدفاعية هنا كما اديرت سابقا فالمنطقة تملك من القدرات ما يمكنها من الصمود والنجاح الدفاعي والمهم ان يستفيد العراق من القدرات المتاحة داخليا وخارجيا . فقدرات المواجهة اذا احسن تنظيمها تفوق بكثير قدرات مصادر الخطر ف «داعش « ليست بالحجم الذي يخيف اويمكن من تنفيذ المشروع، والاكراد سيجدون في مواجهتهم اكثر من طرف يرى مصلحته في منعهم من تنفيذ الانفصال.
د. أمين حطيط