ثورة اون لاين: حين اقتربت أساطيل حملة نابليوت بونابرت من شواطىء مصر عام 1798, تجهز جيش المماليك بما لديه من تراث وتقاليد وحكايات كانت لا تزال تميل رؤوسهم وتطربهم,
ومن كتائب الجنود العتاة حملة السيوف اللامعة البراقة المشحوذة, التي سبق أن صنعت تاريخ مصر والمنطقة العربية أكثر من مرة في حقبات غابرة, أطعموا خيولهم المطهمة المزينة وأسرجوها وشدوا وثاقها, ثم اعتلوا ظهورها واصطفوا على طول الساحل بانتظار نابليون المغامر وجيشه الغازي وكلهم ثقة بهزيمته ورده على أعقابه!
لكن المماليك وما إن نزلت جحافل نابليون أرض مصر, أخذتهم الدهشة وسيطر عليهم الخوف وهم يرون آلته الشيطانية «المدفع» تذهب الضربة الواحدة منها بعشرات الفرسان والأفراس, ورغم المساعدة الانجليزية الكبيرة لهم, هزموا على يد الآلة الشيطانية تلك شر هزيمة, ثم تكرر مشهد مماثل للمشهد المملوكي مع دولة السلاطين العثمانية في آخر أيامها, حين كانت لا تزال تتوهم أنها الأعظم التي لا يشق لها غبار بين الدول!
الصحفي الفرنسي تيري ميسان يرى هذا المشهد متكررا اليوم, في التعامل الأميركي الغربي مع الحراك الروسي الصيني الدولي على صفحة العالم, فأميركا والغرب دخلا حقبة الوهم المترتب عن ماض استطال عشرين سنة, صنعا بالعالم خلالها ما صنع الحداد وأكثر, ولا يريدان اليوم أن يصدقا أن ثمة عالماً آخر ينمو, لا يريانه من جهة أولى ولا يريدان أن يرياه من جهة ثانية.. ولو تبدى أمامهما مثل مدافع بونابرت الجهنمية وآلته الطابعة العجيبة, والأرجح أنهما يصران أن يرياه كما الثعلب الماكر وقد رأى العنب الحامض من قبل في حلب!
أجل, عالم آخر ينمو, ففي يوم واحد هو يوم أمس .. عاد الروس بالرئيس بوتين إلى الكريملين باحتفالية لا تشبه سوى استراحة الدول العظمى وقد استوت على عروش مجدها, وسقط نيقولا ساركوزي في فرنسا سقوطا مدويا لا يشبه سوى الغفوة على كابوس مؤلم رفض وزير خارجيته آلان جوبيه الاستفاقة منه فما تردد, وهو تحت أنقاض سقوطه, في وصف العنب البرلماني السوري الذي نضح أمس بالحامض الذي رآه في حلب!
عالم آخر ينمو, وصباحات السنوات القليلة القادمة تشهد غروب شموس في الغرب وبزوغ شموس في الشرق.. وآن للشموس أن يستوي إشراقها من الشرق, وبين هذه وتلك .. ثمة خيول تتقاعد ولو تطهمت, وسيوف تذوي ولو لمعت, والعاقبة لمن يقرأ مابين السطور.