الثورة – رشا سلوم:
تستمر دار التكوين باختيار عناوين مهمة من عيون الأدب العالمي، وقد صدرت مؤخراً ترجمة الحكايات لكالفينو وهي تغطي مواضيع عدة.
هناك حكايات الحرب التي تظهر مزيجاً غنياً من القسوة والمرح والرعب واللهو والإثارة بل وتصل حدَّ العبث والتراجيكوميديا، ومعظمها مستوحى من تجربته الشخصية في الحرب. في “يأتي الغراب في النهاية” و”حقل الألغام” و”إلى القيادة” تستسلم الشخصيات لقدرها المحتوم، فمنها من يقتل ببارودة صيد ومنها من يقتل بلغم ويتفرقع في الهواء وتتناثر أشلاؤه، ومنها من يعدم على قارعة الغابة.
في “مازال على قيد الحياة” تنجو الشخصية الرئيسة من الموت نجاة أشبه بالجحيم.
وفي “خوف على الطريق” نسبر شجون الجنود البسطاء ومشاعرهم وخوفهم وهواجسهم وذكرياتهم وأملهم بلقاء محبوباتهم.
في “غابة الحيوانات” تضحكنا المواقف العبثية حين يتحول فلاح ساذج حاول تخليص بقرته من أيدي المعتدي الألماني إلى بطل من أبطال المقاومة من دون أن يدري.
وفي “الجوع في بيفيرا” يؤلمنا مصير العجوز الطيب والفقير الذي ينقذ أبناء قريته من الجوع في أحلك الأوقات، ثمَّ يقتل على أيدي أبناء جلدته الطليان.
هكذا هي الحرب مدمِّرة للبشر والحجر والشجر والحيوان ولكل شيء جميل في الحياة.
– محطات..
اما ايتالو كالفينو فهو حسب المعطيات التي تقدمها الموسوعة الحرة:
كاتب، وصحفي، وناقد، وروائي إيطالي ولد في كوبا، ونشأ في سان ريمو بإيطاليا، اهتم في الستينات بالمدارس النقدية والفلسفية الجديدة في فرنسا خصوصا، وبرولان بارت وجاك دريدا على وجه الخصوص، ما أثَّر كثيراً على طبيعة أعماله الروائية ومنحها عمقاً فلسفياً، وأسبغ على نظرته إلى الأشياء والعالم طابعاً جدياً مختلفاً عما هو سائد.
اشتهر بروايته الثلاثية أسلافنا، وقد استغرب الكثيرون من متابعيه عدم حصوله علي جائزة نوبل وموته في الثمانينات من القرن الماضي وذهابها بعد ذلك بسنوات قليلة أي عام 1997 الى مواطنه داريوفو، الكاتب والممثل المسرحي، الذي قبل منحه جائزة نوبل كان مغموراً خارج بلده.
يمتاز إيتالو كالفينو برواية الخيال التاريخي، والمزاج الرائع ما بين الواقع والأسطورة، عبر لغة جميلة وسرد روائي محكم، ما جعل إيتالو كالفينو يتربع على عرش الرواية الإيطالية والعالمية مع كبار الروائيين، ويسجل اسمه في سجل الخلود الأدبي العالمي.
قال عنه كارلوس فويتنس:
إن القارئ لا يجد صعوبة في أن يدرك بأن رواية ما غير موقعة هي من روايات الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو، إذ يكفي بعد قراءتها أن يشعر بالحسد تجاه هذا الكاتب الذي استطاع أن يهتدي إلى الفكرة قبل أن تهتدي إليها أنت.
و هكذا تكون كل روايات إيتالو كالفينو ما ترغب أنت أيضا وبشدة في أن تكتبه.
– من أقواله..
يقول: «يمكن للأدب المساهمة بصورة غير مباشرة فقط ـ مثلا من خلال الرفض الثابت للحلول الأبوية، ولو افترضنا أن القارئ أقل ثقافة من الكاتب، واتخذنا نحوه وجهة تعليمية وتربوية وتطمينية، فإن ما نقوم به ببساطة إنما هو التباين، لأن أي محاولة لتلطيف الموقف بالمسكنات، مثل المناداة بأن الأدب للشعب إنما هي خطوة إلى الوراء وليس للأمام».
ويتحدث كالفينو عن اقتران الأدب بالسياسة في الحياة المعاصرة، وبعد أن يستعرض سلبيات تأثير السياسة على الأدب يرى أن الأدب مع ذلك ضروري للسياسة عندما يعطي صوتاً لما هو من دون صوت، وعندما يعطي اسماً لمن لا اسم له، ويشبّه الأدب في هذه الحالة بالأذن التي تستطيع سماع أشياء أبعد من نطاق فهم لغة السياسة، أو هو شبيه بالعين التي تستطيع أن تبصر أبعد من نطاق الطيف الذي تلاحظه السياسة.
ويستدرك بأن هناك أيضا نوعاً آخر من التأثير الذي يمكن للادب أن يمارسه، من جانب الكاتب، وهذا يتمثل في القدرة على فرض نماذج من اللغة والرؤية والخيال والجهد العقلي والترابط المنطقي للحقائق، أي بابتكار نموذج من القيم هي في وقت واحد جمالية وأخلاقية وضرورية لأي خطة عمل، خاصة في الحياة السياسية.
ويرى أن أي نتيجة تكتسب عن طريق الأدب، قد تعتبر أرضاً صلبة لجميع الأنشطة العملية لأي شخص يركن إلى عقله ويكون قادراً على استيعاب الفوضى التي تسود هذا العالم).
وفي ختام حواراته يقول: إن ما نطلبه من الكتّاب هو أن يضمنوا لنا الإبقاء على ما نسميه «إنسانيا» في عالم يبدو بعيداً كل البعد عن الإنسانية، وأن يضمنوا الإبقاء على حوار «إنساني» كسلوى لنا عن فقدان الإنسانية في كل حوار آخر وعلاقة أخرى. والإنسانية في رأيه تعني كل ما هو مزاجي، وعاطفي، وصريح، وليس شيئا متزمتاً على الإطلاق)
كتاب – الحكايات
تأليف – ايتالو كالفينو
ترجمة – د. رانية قاسم
إصدار – دار التكوين 2023