فؤاد مسعد :
مرة تلو الأخرى ترسخ حضوراً مختلفاً إن كان على الشاشة الكبيرة أم الصغيرة، هو حضور معجون بعفوية عالية وموهبة وقدرة على الغوص إلى عمق الشخصية، تفكيكها وإعادة تركيبها من جديد لأنسنتها وبث الحياة فيها، تلتقط تفاصيلها لتعيد صياغتها بروحها، إنها الفنانة نانسي خوري التي تقدم في شهر رمضان المبارك شخصية “عفراء” في مسلسل “الزند ـ ذئب العاصي” إخراج سامر برقاوي وتأليف عمر أبو سعدة، إضافة إلى دور “سمر” في مسلسل “سفربرلك” إخراج الليث حجو وحوار إياد أبو الشامات ومحمد أبو اللبن.
عفراء التي حصدت إعجاب الكثير من المشاهدين بإحساسها العالي، هي الأخت المُحبة والمغلوب على أمرها لعاصي الزند الثائر على الظلم والمطلوب حياً أو ميتاً، تمر في حياتها بعدة تحولات ترسم مسار الشخصية، فمن إنسانة بائسة مقهورة وخائفة في قريتها تكابر على المرض مروراً بعلاقتها مع أخيها بعد عودته وهربها معه ومع ولديها، ومن ثم اشتداد مرضها ومكوثها في المستشفى وخروجها منه وصولاً إلى لقائها مجدداً مع ولديها “حتى الآن”، هي مراحل تحمل كل منها سماتها التي تنعكس على الشخصية بمفرداتها وأدائها وطريقة تعاطيها مع الواقع، مُظهرة ما يعتلج في داخلها من مشاعر.
المُتابع لمسار الدور يدرك تماماً كيف يمكن للممثل أن يتغلغل داخل مسام الشخصية إلى حد يستطيع فيه تقديمها من لحم ودم فتصل إلى المتلقي بسلاسة دون تكلّف أو اصطناع، مما يجسد طريقة الاشتغال عليها بدراية لكل ما يتعلق بتاريخها والبحث في أدق تفاصيلها بما في ذلك نبرة الصوت وتلوّنه واللهجة وخلجات الوجه، ونظرة العين التي تكاد تنطق في بعض المشاهد، إضافة إلى الشكل الخارجي من ملابس ومكياج.. هي كلها آلية متكاملة في أسلوب البناء لإظهار عوالمها بكل ما تزخر به من دفء ومصداقية لتبدو مُشبعة من روحها، وهنا تتجلى المتعة في الأداء التي تدفع بالممثل الذهاب إلى أبعد ما يستطيع مُحلقاً فيما يُقدم من أداء.