يبدو أن اصحاب القرار في واشنطن يقرؤون هذه الأيام نوادر جحا ويقتبسون منها استراتيجياتهم للبقاء في سورية والمنطقة بعد أن ضعف وجودهم السياسي فيها بحكم المعركة مع روسيا في أوكرانيا وتطورات الأوضاع العربية والإقليمية تجاه دمشق وطهران أيضاً والتي تخرج اليوم عن سيطرة أميركا وتذهب لبناء تحالفات العالم متعدد الأقطاب بوجود روسيا والصين.
كل من إسرائيل وأميركا يستخدم حلوله التقليدية وإذا عبرت الأولى عن حمقها لما يجري فيها من تخلخل داخلي وخارجي يترجمه التقارب الإيراني والسعودي والسوري السعودي والعربي بالحمق والعدوان الهائج على سورية ومحاولة فاشلة لاستجرار دمشق إلى معركة مع إسرائيل في هذة المرحلة الدبلوماسية الدقيقة والهامة لإعادة الوضع السوري والعربي إلى وضعه الطبيعي، فإن واشنطن لا تواجه هذه المستجدات بسيناريو دولة عظمى، بل تتلطى وراء المشكلات بتعويذة قديمة لم تعد تقنع حتى بعضاً من الإدارة الأميركية المنقسمة حيال الشرق الأوسط، فتتحدث عن داعش مجدداً، وأنه سر بقاء احتلالها في سورية ..ومع كل خطوة سياسية للسوريين تنهض لعرض فيلم قتل متزعم إرهابي من داعش ..وبينما تفرش دمشق سجادها السياسي للوفود الدولية والعربية والإقليمية والطاولات السياسية للحوار، يبحث بايدن عن مسماره الداعشي في الشرق السوري ويعيد علينا خطاب محاربة الإرهاب على الرغم من أن ما يسمى التحالف الدولي أعلن مراراً وتكراراً انتصاره على التنظيم، فكيف يحيي بايدن عظام داعش، وقد أبرز ومن سبقه ترميمها في أكثر من مرة وتوج نفسه واحتفل بنصره على داعش خلال السنوات الماضية.
في أثناء عمر الأزمة في سورية حرر الجيش العربي السوري معظم أراضي بلاده من الإرهاب، وبقي المتطرفون فقط المناطق التي تتواجد فيها القواعد الأميركية في التنف والمناطق الشرقية، حيث يظهر داعش ويختفي بحسب ما تريد الإدارة الأميركية، واليوم تتحدث واشنطن عن خطورة التنظيم مع نضوج الأوضاع السياسية في سورية إلى حد الانفتاح العربي والإقليمي وضرورة خروج الاحتلالات منها.
تبرز واشنطن مسمارها الداعشي في سورية وتؤكد وجود مخططات تفجيرية له في أوروبا دون ذكر من يمول التنظيم أو حتى يعيده مجدداً، وهي إذ تشير إلى هذا المسمار تحاول تبرير استمرار احتلالها في سورية وتثبيت الموقف الأوروبي على ذلك بتخويف القارة العجوز من التفجيرات والحفاظ على أمنها القومي.
اللافت ان داعش وحسب الرواية الأميركية الحالية يتطلع لتفجير اوروبا من دون التفكير بالعودة إلى فكرة (الخلافة) والسيطرة على مساحات من سورية والعراق، يبدو أنه يتمدد بحسب ما ترسمه اميركا من خرائط سياسية وبحسب ما تتعثر فوقها وما تتطلبه الخطط الإسعافية لها.
واشنطن تريد الحضور السياسي في معادلات المنطقة بحجة مسمار داعش الذي يدقه احتلالها واحتلالها فقط.. وإلا فعلى واشنطن الاعتراف بأحد أمرين، وهما إما فشلها والتحالف الدولي بالقضاء على داعش، وبهذا تكون أكبر دول العالم باستخباراتها وأسلحتها المتطورة وأقمارها الصناعية عاجزة عن مواجهة جماعة إرهابية قادمة من كهوف الجهل، أما الأمر الثاني وهو الأقرب للعقل والمنطق، وما لمسناه على الأرض السورية وقبلها العراقية بأن داعش لعبة قذرة من اختراع الغرف الاستخباراتية لأميركا وهي مسمارها في احتلال الدول، وهذا ما أثبته السلوك الأميركي باستخدام الإرهاب عبر التاريخ وما يثبته تعلق بايدن بمسمار داعش كلما تخللت أسباب احتلاله في سورية أمام الرأي العالمي الحالي.