يمن سليمان عباس:
كثيرا ما نتساءل أمام ظاهرة ما : لماذا تحدث ونطلق الأسئلة الكثيرة دون إجابات لاسيما إذا كانت الظاهرة تخص شيئا إنسانيا ..إذ لا جواب قاطع أبدا ..إنما كل منا يفسر ما يظنه الحقيقة..
قد يقع على جزء من الجواب وقد يبتعد عنه .
من هذه الأسئلة الكثيرة: لماذا يكثر حديث الكبار في السن ..لماذا يبدون الآراء دائما..لماذا لا يتوقف المفكرون عن إطلاق الآراء؟
ولماذا ؟
في تفسير هذه الظواهر التي تسمى ظاهرة الفيض بالعطاء..يتقدم الدكتور شاكر مصطفى برأي علمي ومنطقي وينقله إلى الجانب الحضاري في العطاء..
في كتابه الجميل الذي يحمل عنوان العرب في التاريخ يقول مصطفى:.
(ترى ما الذي يبعث العجوز على الثرثرة بالذكريات؟
سؤال ألقاه الفيلسوف الصيني لين يو تانغ الذي مات منذ ليس ببعيد وأجاب أنه الفراغ من العمل…… واحسب أننا يمكن أن نجيب إجابة أخرى ليست أقل صوابا من الأول إنه الإحساس بالزمن بسعة الآن بالبعد الرابع الذي يميز الكائن البشري. حين تصبح شجرة العمر مثقلة بالثمار يصبح العطاء حاجة لا منة.
ويصبح الزمن أبعادا وأثقالا ومعاني من المعاني لا عبورا من ثانية لأخرى.
وكما يتفاوت الأفراد في الإحساس بالزمن كذلك تتفاوت الأمم….. وإذا كان التاريخ كما قال مؤرخنا القديم ابن الجوزي :مرأة الزمان فليست تستوي الأمم في حب هذه المرآة أو في التمري بها أو حفظها. صحيح أن لكل أمة تاريخا بل لكل كائن… حتى المدن والأشياء لها تاريخها المجرور وراءها برغمها لكن مقدار تعلق هذه الأمة بالتاريخ أو تلك هو الذي يختلف. وإذا كان الهنود من أقل الأمم اهتماما بتسجيل وقائع الحياة والأحداث فإن العرب بالمقابل قد يكونون من أكثر الأمم إن لم يكونوا أكثر الأمم انشغالا بالتاريخ وشغلا به….
الإحساس بالزمن يثقل كاهل هذه الأمة يسحقها كأنما هو محاولة سلبية للخلود…. كأنه البحث عن الخلود…. ولكن في الاتجاه الآخر ومن خلال الماضي والجذور لا المستقبل.
أتحسبون أنها مقولة من المقولات أو شطحة نظرية تحتاج إلى الدليل؟
إذن فلنبحث الدليل……)
وما يذهب إليه مصطفى تؤكده وقائع الحياة والطبيعة فعندما يمتلئ جوف الأرض بالماء بمكان ما فلا بد أن تتفجر الينابيع من اتجاه محدد ويندفع الماء العذب..
و حين تنضج الثمار إذا لم نبادر إلى قطفها فهي تتساقط على الأرض.. إنها الحياة ..وكما قال إيليا أبو ماضي : من ليس يسخو.بما تسخو الحياة به فإنه أحمق بالحرص ينتحر…
إنه نضج الثمر الفكر و لا لذة تعادل لذة العطاء …ولهذا يتدفق الكبار فيما يقولون ..لبست ثرثرة عجائز إنما النضج الذي يجب أن نعرف كيف نستثمره.