من أكثر المشاكل والتحديات التي تواجه الناقد الفني في عصر البرمجة الكمبيوترية صعوبة التفريق بين الرسم اليدوي والرسم الرقمي، وبداية أقول: لو عاش كبار فناني عصر النهضة الإيطالية بيننا، من أمثال ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو ورافائيل وغيرهم، لما استطاعوا رسم البورتريهات التي تنشر على صفحات التواصل، ويدعي البعض أنها من رسمهم، علماً أنني على معرفة مسبقة بالمواقع المتخصصة في هذا المجال، وأدرك جيداً أن البرامج ترسم هذه النمادج وبسرعة تفوق سرعة الضوء، إذ يكفي إدخال الصورة والانتظار ثوان معدودة.
والأخطر في هذا الموضوع أن بعض النقاد والكتاب والفنانين لا ينتبهون إلى ذلك، ويروجون لهذه الأعمال، وينشرونها على صفحاتهم، وبذلك فهم الذين يجعلون أصحابها يشعرون بأنهم آلهة الفن على الأرض، علماً أن إمكانياتهم في الرسم والتلوين قد تكون متواضعة، وضعيفة في أكثر الأحيان. وهنا أتحدث عن الرسم الرقمي الذي يلعب به المدعي دور المراقب حصراً لولادة اللوحة الكمبيوترية، ( ولا أتحدث مطلقاً عن فن الديجيتال الذي يحتاج إلى موهبة وخبرة، بدليل أنه يدرس كمادة في كليات الفنون الجميلة ).
من ناحية اخرى بعض كتاب الإنترنت يكرسون الأخطاء والمغالطات، لا شك أن للإنترنت إيجابياته التي لا تعد ولا تحصى، وفي مقدمتها قدرته في إيصال المادة المطلوبة بسرعة مذهلة، وفي المقابل له سلبياته وخاصة في كثرة الأخطاء والمغالطات الناتجة عن فوضى الكتابة والنشر، فالكتابة الجادة تعني القدرة على امتلاك الحقيقة عبر المعلومات الصحيحة، وهذا ما أصبحنا نفتقده في أحيان كثيرة، لأن أكثرية العاملين في مجالات الإعلام والثقافة، يتجهون اليوم إلى الإنترنت لأجل السهولة وسرعة التناول، رغم أن المعلومة والصورة المأخوذة عنه تشكل خطرأ، وهي بحاجة إلى متخصصين للتدقيق فيها قبل نشرها، لأنها في أحيان كثيرة لا تصدر عن مواقع ومصادر موثوقة.
وليس صحيحاً أن زمن الأرشفة الورقية، قد انتهى وتجاوزه الزمن، وأصبح من مخلفات القرون الماضية، فالذين يعتمدون على المراجع الورقية، هم الأقل عرضة للأخطاء والأكثر إمتلاكاً للمصداقية والحقيقة، وهذا لا يعني التقليل من أهمية المكتبات الإلكترونية، أو ما يسمى المعلومات الرقمية التي أصبحت من أبرز وأهم سمات هذا العصر، كما أن أدعياء الفن والنقد يسرقون عن الإنترنت لوحات وأفكار ومقالات وكتب الآخرين، وينسبونها إلى أنفسهم، دون ادنى شعور بالخجل وقديماً وحديثاً قالوا: إن كنت لا تستحي فافعل ماشئت.
والأخطر في الموضوع أن مجمل منتجي ثقافة الإلغاء واللامبالاة، ليس لديهم أي شيء مفيد يقولونه للمجتمع، ولو كان لديهم أرضية ثقافية ومعرفية حقيقية، كانوا اكتشفوا لنا ادعاءات الآخرين، وصوبوا لنا هذه المغالطات التي تكتنز بها مواقع التواصل ،بدلاً من تكريسها وإعادة نشرها بأخطائها الفادحة والشنيعة، وكانوا على الأقل حددوا لنا بعض مواقع الخلل والصواب في حياتنا الثقافية والفنية.