أديب مخزوم:
طرحت الفنانة التشكيلية تولين رضائي في بداية انطلاقتها الفنية، وبعد تخرجها من محترفات كلية الفنون الجميلة، رؤيتها وأفكارها حول المجتمعات الاستهلاكية المعاصرة، في لوحاتها (معظمها بقياسات كبيرة) تركزت حول موضوعات المرأة والرجل والآلات الموسيقية ونبات الصبار والطبيعة الصامتة وغيرها، ضمن صياغة فنية عفوية لا تتقيد بالتفاصيل، ولا بصورية الشكل ولا بمشهديته التقليدية، وإنما تمنح الموضوع رؤية خاصة تعمل فيها على تضخيم الأقدام، بحيث تبدو كأنها منظورة بعين نملة على حد قولها.
هكذا بدت لوحاتها بصياغتها الفنية التعبيرية والرمزية الحاملة قدر كبير من العفوية والتلقائية اللونية، مع تركيزها لإظهار الكثافة اللونية والثقافة البصرية، رغم قصر عمر تجربتها في اختباراتها الخطية واللونية، ولوحاتها بهذا المعنى، تقع في المساحة التعبيرية المتدرجة بين حالات الرسم الأكاديمي، الذي يرتكز على تجسيد الأشكال الإنسانية والوجوه، وبين احتمالات منح الأشكال المرسومة حرية في البحث التشكيلي والتقني، على صعيدي تحريك اللون وصياغة الخطوط، الشيء الذي أسس لانطلاقتها في رحاب العفوية والشاعرية والتلقائية اللونية، وهكذا تتفاوت لوحاتها من ناحية المعالجة اللونية بين الكثافة والشفافية، وهي في ذلك توزع لمساتها اللونية الشفافة في بعض لوحاتها أو في مقاطع منها، وتصل في لوحات أخرى إلى إضفاء المزيد من اللمسات العفوية والكثافات اللونية الأكثر حداثة واقتراباً من أجواء تقنيات فنون العصر، عن طريق تسميك العجينة اللونية التي تجعل منها مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية تنقل الأحاسيس الداخلية المباشرة، ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي أو التماهي مع المشهدية الصالونية التجارية التي تجعل منها مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية تنقل الأحاسيس الداخلية المباشرة، ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي أو التماهي مع المشهدية الصالونية التجارية.
فألوان العناصر المرسومة تبرز بانفعال، وبمعالجة تهتم بمسألة إظهار طبقات اللون، مع أن سطوح لوحاتها لا تستقر على هذه الطريقة، وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون العفوي والتلقائي والانفعالي.
وهذه الطروحات التشكيلية في انفعاليتها وحركتها التلقائية وإطارها الجمالي، تؤدي إلى تحويل المساحة اللونية إلى فسحة للحوار الذاتي وللتأملات الجمالية القادرة على إثارة التساؤلات والوصول إلى علاقة حقيقية مع الاختبار التقني المختمر مع المادة اللونية الزيتية.
وتولين رضائي تستعرض تلك العلاقة الحميمية، بين اللون والوهج، والسكون والحركة، ضمن هاجس إبراز التضاد أحياناً بين الظلمة والنور، بينما تظهر لمساتها اللونية المتحررة، وكأنها مشروع للتعبير عن موسيقا اللون في ديمومته الإيقاعية والغنائية (عجائن لونية سريعة ومتحركة وموضوعة فوق بعضها البعض) ومشحونة بعنف التوتر الداخلي الانفعالي الحركي.
هكذا تذهب إلى التلاعب بالعجينة اللونية، وتظهر حالات التحكم في مساحة اللوحة، وفي حركات صياغة مفرداتها وعناصرها وتكويناتها التشكيلية الحديثة.
ورغم أنها تقدم عجائن لونية جريئة في مجمل لوحاتها، إلا أنها تنجو في تكوينها من مطب الوقوع في الصياغة الفنية السهلة، حيث يمكننا الانتباه إلى إيحاءات كثيرة بقدرتها على التلاعب بعجائن اللون وإبراز حساسياتها المختلفة والمتنوعة، وتظهر هذه القدرة في إظهار السماكات والتضاريس اللونية.
وهكذا تغيب النعومة الكلاسيكية، وتحافظ فقط على العناصر والأشكال، التي تدل عليها حركات وضربات ولمسات جريئة، ولهذا يمكن القول أنها ترسم الأحاسيس اللونية، وتظهر إلى جانب قدرتها على التأليف وتوزيع الكتل اللونية الغنائية ووضعها بطريقة فنية حديثة وإبراز سماكتها، وإلى جانب قدرتها في معالجة عجائن اللون، تبرز قدرة أخرى في معالجة الخطوط والتحكم باللوحة.
وتظهر واثقة ومتمكنة في صياغة لمساتها اللونية وخطوطها، المتابعة لمسارها التعبيري، في تجسيد إيقاعات اللون واندفاعاته العفوية التي تقوم أصلاً على التصادم الحركي بين الإيقاعات اللونية المتنوعة على سطح اللوحة، لإيجاد القوة الإيحائية لعناصر الجو اللوني المحلي عبر اللمسات والحركات اللونية التلقائية والعفوية ومظاهر الغنائية البصرية وحركاتها الإيقاعية التي تبرز كألحان بصرية أو كمقطوعات موسيقية لونية.