يمن سليمان عباس:
لا تقف شهرة الشاعر العربي الراحل إبراهيم طوقان عند ما أنجزه في المشهد الشعري – وهو كبير ومهم جداً -ولكن يضاف إليه ما أنجزه من خلال إشرافه على تربية اخته الشاعرة فدوى طوقان الشاعرة التي كانت رائدة في مسيرتها الإبداعية وفي تضحياتها من أجل القضية.
تكشف في مذكراتها التي حملت عنوان رحلة جبلية صعبة الكثير من المصاعب التي اعترضت حياتها مذ كانت طفلة وأخرجها أهلها من المدرسة وهي في المرحلة الابتدائية.
أستاذها عن قرب وعن بعد أخوها إبراهيم طوقان الذي تمر ذكرى رحيله هذه الأيام.
محطات..
إبراهيم طوقان شاعر فلسطينى مولود فى 1905 فى نابلس بفلسطين، ويعتبر أحد الشعراء المنادين بالقومية العربية ومقاومة الاستعمار الإنجليزى فى القرن العشرين حين كانت فلسطين واقعة تحت الانتداب البريطانى، وقد تلقى طوقان دروسه الابتدائية فى المدرسة الرشيدية فى نابلس، وأتم تعليمه الثانوى بمدرسة المطران فى القدس عام 1919،
ثم التحق بالجامعة الأمريكية فى بيروت سنة 1923، ونال منها شهادة فى الآداب عام 1929، وعاد ليدرّس فى مدرسة النجاح الوطنية بنابلس، ثم عاد إلى بيروت للتدريس فى الجامعة الأمريكية، وعمل مدرساً للغة العربية فى العامين 1931 و1933، وعاد لفلسطين فى 1936، وتسلَّم القسم العربى فى إذاعة القدس، وعُين مُديراً للبرامج العربية، وأُقيل من عمله من قبل سلطات الانتداب عام 1940، وانتقل للعراق وعمل مدرساً فى دار المعلمين، ثم عاجله المرض، فعاد مريضاً إلى وطنه، واشتدت عليه وطأة المرض إلى أن توفى فى مثل هذا اليوم 2 أيار عام 1941، وهو لم يتجاوز السادسة والثلاثين; وكان طوقان قد نشر شعره فى الصحف والمجلات العربية، وتم نشر ديوانه بعد وفاته بعنوان «ديوان إبراهيم طوقان»، ومن أشهر قصائده قصيدة «موطنى» التى انتشرت فى الأرجاء:
موطني… موطني..
الجلالُ والجمالُ والسناءُ والبهاءُ
في رُباكْ… في رُباكْ
والحياةُ والنجاةُ والهناءُ والرجاءُ
في هواك… في هواك
هل أراكْ… هل أراكْ..
سالماً منعَّماً وغانماً مكرَّماً؟
هل أراكْ… في علاكْ
تبلغ السِّماكْ؟… تبلغ السِّماكْ؟
موطني… موطني.. موطني.. موطني
الشبابُ لن يكلَّ همُّه أن تستقـلَّ أو يبيدْ
نستقي من الـردى ولن نكون للعدى
كالعبيد… كالعبيد
لا نريدْ… لا نريدْ.. ذلَّنا المؤبَّدا
وعيشَنا المنكَّدا لا نريدْ… بل نُعيدْ
مجدَنا التليدْ… مجدَنا التليدْ
موطني… موطني.. موطني.. موطني
الحسامُ واليَراعُ لا الكلامُ والنزاعُ
رمزُنا… رمزُنا..
مجدُنا وعهدُنا وواجبٌ من الوَفا
يهزّنا… يهزّنا
عزُّنا… عزُّنا..
غايةٌ تُشرِّفُ ورايةٌ تُرفرفُ
يا هَناكْ في عُلاكْ
قاهراً عِداكْ… قاهراً عِداكْ
موطني… موطني..
فدوى ترثيه..
كان رحيل إبراهيم طوقان كارثة حلت بفدوى التي رثته بقصيدة كان لها الأثر البالغ على مسيرتها الشعرية، فقد تلونت القصيدة بلوعة الفراق والحسرة والتأثر الشديد، فجاءت صادقة المشاعر والأحاسيس، وحققت انتشاراً واسعاً، ومنها:
حياتي دُموعْ
وقلبٌ وَلوعْ
وشوقٌ وديوانُ شعرٍ وَعودْ
وفي ليلِ سُهدي
يُحرِّكُ وَجْدي
أخٌ كان نَبْعَ حنانٍ وحبّ
وكان الضياءَ لِعيني وقلبي
فهبَّتْ رياحُ الرّدى العاتية
وأطفأتِ الشعلةَ الغاليةْ.
ومن المعروف أن فدوى كانت تكتب في بداياتها الشعرية باسم “دنانير” وأطلق عليها شقيقها إبراهيم اسم “أم تمام”، لكنها ما لبثت أن اشتُهرت باسم “المطوّقة” إشارة لانتسابها لآل طوقان، وربما إشارة إلى أنها كانت مطوّقة في بيت أبيها، وربما أيضاً للتعبير عن رومانسيتها متمثلةً كتاب “طوق الحمامة” لابن حزم الأندلسي.
وكانت الرسائل التي تبادلتها مع أخيها الشاعر إبراهيم موضع دراسات أدبية كشفت عن الدور الكبير الذي أداه إبراهيم في توجيه وصقل موهبة فدوى وقد صدرت هذه الرسائل في كتاب عن الهيئة العامة السورية للكتاب.. وهي وثيقة أدبية ثمينة أعدها المتوكل طه.