أديب مخزوم:
نعى فرع اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين في حلب الفنان النحات عبد الرحمن مؤقت، الذي أنضم إلى قائمة الفنانين الراحلين، بعد مسيرة حافلة بالإنتاج النحتي، وإنجاز بعض الأعمال النصبية الكبيرة، التي تحاور العيون في الساحات والأماكن العامة، وهو من النحاتين القلائل الذين قدموا في معارضهم الفردية وعلى مدى أكثر من نصف قرن منحوتات حجرية، بأحجام كبيرة تبرز رشاقة الحركة النحتية الفراغية، ولقد حاز من خلالها على شهرة أوكلت إليه مهمة إقامة العديد من النصب التذكارية في ساحات ومداخل بعض المدن السورية، ولقد أقام مجموعة من المعارض الفردية، وشارك في بعض الملتقيات النحتية، وحاز على العديد من الجوائز التقديرية من جهات رسمية، أبرزها الميدالية الذهبية في بينالي المحبة في اللاذقية خلال عام 1999.
وعلاقته بالنحت تعود لزمن الطفولة، حين كان يتأمل طويلاً صور أعمال كبار فناني عصر النهضة (ولاسيما روائع مايكل أنجلو)، فتثيره عناصرها السحرية وتحرضه على خوض غمار التجربة الفنية، وتشعره بعظمة التراث النحتي العالمي، الذي مالبث أن تفاعل مع بعض إيقاعاته عن قرب أثناء تواجده في إيطاليا في عام 1980.
فالوهج الفني تغلفل في أعماقه في سن مبكرة حين بدأ يلتمس سر الجسد ويتحسس الرغبة في التعبير عنه، وتحركت يداه في التشكيل لتعالج الطين وتنتج أجساداً ورموزاً وأشكالاً ملأت كيانه وحياته على حد قوله في حوار أجريته معه مند سنوات. فحب الفن دفعه في كل الاتجاهات لمعرفة أسرار التقنيات، كان ذلك في الستينات من القرن الماضي، حينها كان طالباً في مركز الفنون التشكيلية بحلب إضافة لمتابعة دراسته في دار المعلمين.
في تلك المرحلة كانت أعماله تميل إلى الاتجاه الكلاسيكي والواقعي والتعبيري، وكان أهمها النصب التذكاري للشهداء الطيارين الذي وضع في أحدى القواعد الجوية، على أثر استشهاد عددٍ من الطيارين في معارك جوية مشرِّفة، ويمكن اعتباره مشروعاً أكاديمياً بامتياز.
ولقد حمل معرضه الشخصي الأول في المتحف الوطني في حلب عام 1971 بدايات البحث التشكيلي الخاص، وشكَّل الإنسان جوهر بحثه المعبّر في تلك الفترة عن مشاعر الألم والانكسار.
وفي منتصف السبعينات تتابع بحثه التشكيلي بكتل إنسانية وبحالات تعبيرية جديدة وتحوّل نحو استخدام مادة الحجر الحلبي ولقد توّج تلك المرحلة بمعرضه الأول في صالة الشعب بدمشق العام 1976، وبمعرضه الثاني في حديقة السبيل بحلب، حيث قدم مجموعة أعمال كبيرة كان أهمها منحوتة القضية الفلسطينية والقدس والنهوض والمحبة.
روما وساحاتها وتماثيلها كانت حلماً بالنسبة إليه، الفنانون الذين أحبهم من خلال صور أعمالهم يشدونه بقوة إلى روما.
كان لابد من الرحيل، حيث النحت بأبعاده الحقيقية.. فروما أعطته بعداً وثقافة بصرية اختلط فيها الكلاسيك بالأكاديمي وبالمعاصر والحلم بالواقع إلا أن الإحساس بالغربة سرعان ما بدأ يتسرب إلى داخله ـ على حد قوله أيضاً ـ وكان لابد من العودة.
مرحلة الثمانينات كانت مليئة بالدراسات والبحث والأعمال النصبية والمعارض وكان هاجسه مركزاً لإيجاد حالة من التوازن بين الكتلة والفراغ والوصول إلى الحلول التشكيلية التي تتوسط التعبير والتجريد، بحيث تنبض الكتلة بداخلها بالحياة.
هكذا أنجز النصب التذكاري للشهداء في ساحة سعد الله الجابري، بمادة الحجر الأصفر، وجاء غنياً بتكويناته الإنسانية ومليئاً بتقنيات النحت اليدوي، من ملامس متباينة. كما أنجز النصب التذكاري لقاعدة المجد القتالي عند مدخل مدينة الرستن، كما أنجز منحوتات نصبية كبيرة في بعض ساحات حلب وفي مطار حلب الدولي، والأخير يصل ارتفاعه إلى حدود الثمانية امتار، وتضمن تشكيلات حديثة بالأقواس العربية تحمل هيكلاً فراغياً للكرة الأرضية وتدور حولها مجموعة من الطيور بتكوينات معمارية معاصرة.
وعلى صعيد البحث التقني والأسلوبي المقروء في أعماله النحتية التي قدمها في معارضه الفردية المتواصلة، يمكن القول أنه كان يبحث عن حركة إنسانية تسكن جميع أعماله النحتية، فأعماله التي تميل نحو التجريد تبقى مرتبطة في حركاتها المنسابة في الفراغ ضمن الكتل الرخامية، بإيقاعية حركة الاشكال الإنسانية في حالاتها ووضعياتها المختلف
السابق