كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
في حضرة الشّهادة تستنهض ذاكرة التاريخ، لتروي ملاحم البطولة والفداء، التي سطّرها شهداؤنا الأبرار عبر تاريخ سورية الذاخر بالتضحيات، فتذوب المعاني أمام عظمة الشهادة، ونستخلص المآثر والعِبر، وتنحني هاماتنا إكراماً وإجلالاً، لقامات عانقت المدى وعشقت الحرية، لتكتب لنا الحياة بدمائها الطاهرة الزكية.
السادس من أيار، يوم يختصر تاريخ شعب بأكمله، ارتبط وجوده على هذه الأرض، بمسيرة نضال وكفاح مستمرة ضد الغزاة والمستعمرين، شعب أبيّ، لم يهادن يوماً محتلاً، ولم يقبل قيد العبودية والاستعمار، فقدّم قوافل الشهداء ولم يزل، من أجل عزّة وكرامة وطنه، فكانت قافلة الشهداء الأولى على يد المستعمِر العثماني عام 1916 بداية لسلسلة قوافل ارتقت دفاعاً عن الأرض ضد المستعمِر الفرنسي، وأخرى ارتقت خلال التصدي للحرب الإرهابية التي تقودها الولايات المتحدة، وسبقها قوافل ارتقت في فلسطين المحتلة، ولبنان، والجولان المحتل خلال التصدي لهمجية الكيان الصهيوني الغاصب.
اليوم، وكل يوم نستذكر بكل فخر بطولات شهداء سورية الذين ضحوا بدمائهم في سبيل عزّة وكرامة الوطن، فعلى مساحة سورية من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، توزعت مواكب الشهداء وزرعت ساحات الوطن بالهتاف لهم، لتبدو الوحدة الوطنية السورية في أعظم صورها، والصرخة واحدة كلنا فداء للوطن، هؤلاء الشهداء عبدوا بدمائهم الطريق للمقاومة وهو يعبدون الطريق للخروج من هذه الأزمة، والوصول إلى انتصارات أخرى قادمة حيث تركوا أحلامهم البسيطة ليكبر الحلم بالوطن، وغادروا الحياة ليحيا الوطن، وبذلوا الدم ليحموا أبناء الوطن، هم الشهداء خير الأبناء وأشجع الآباء، اغتنموا شبابهم وقرروا ألا يهرموا لتبقى ذكراهم شابة على مر الأيام والعصور، تعطي المثل للقادمين بعدهم وتزيدهم إيماناً بالتضحية، لأن الوطن غال ويحتاج لمن يحرس أحلام أبنائه.
الشهداء هم الأبطال الحقيقيون الذين يرسمون الوجه الأكمل والأبهى لأمتهم إذ يعيدون إليها إشعاعات قيم الحضارة ومعنى الحياة الحرة الكريمة، والسوريون يواصلون بذل التضحيات، وتقديم الشهداء متمسكين بإرثهم الحضاري والتاريخي الذي صنعه أبطال السادس من أيار ومن بعدهم رفاق يوسف العظمة لحماية الاستقلال الأول، وأبطال النضال في وجه المستعمِر الفرنسي حتى جلائه، يكرّسون ثقافة الشهادة أو النصر في سجلات تاريخهم المشرّف التي أبرقت بعد ذلك خلال حرب تشرين التحريرية، ودفاعهم عن لبنان إبان العدوان الصهيوني، ودعمهم للمقاومة الفلسطينية واللبنانية والقضايا العربية برمتها، واليوم يجسّد أبطال الجيش العربي السوري مآثر آبائهم وأجدادهم العظام، في مقارعة الإرهاب وداعميه، فيسطّرون أروع الملاحم البطولية، ويسترخصون دماءهم من أجل الذود عن حياض الوطن.