الثورة – فؤاد مسعد:
في موكب مهيب ودّع الوطن قامة شامخة من أبنائه البررة، وأحد أعمدة الأسرة الإعلامية فيه، الإعلامي الكبير الدكتور فائز الصايغ، الذي شًيّع جثمانه إلى مثواه الأخير بعد صلاة الجنازة على روحه في كنيسة الصليب المقدس، في جوٍ خشوعي مؤثر يلفه الحزن العميق.
إن كان فعل الموت حقاً على الإنسان، فإن هذا الحق يكون موجعاً أكثر عندما يختار الأشخاص المؤثرين الفاعلين والمنفعلين في المجتمع، الذين حملوا هاجسهم الوطني والأخلاقي والإنساني والإعلامي بين ضلوعهم، إنه الرحيل المؤلم لكاتب ومثقف وإعلامي مخضرم وعتيق عمل بحب وشغف، تسلّح بالمعرفة والثقافة العالية والفكر المستنير والوعي وبالرؤى العميقة الثاقبة، امتلك هويته المتفردة في أسلوب تعاطيه مع الأحداث وقراءته المتأنية لها انطلاقاً من رؤيته في إظهار بواطنها وما خفي منها محللاً وكاشفاً وواضعاً يده على الجرح بسلاسة ومن دون تعقيد، يقوم بتشريحها بمبضع الجراح الماهر الذي يدرك تماماً ما الذي يريد إيصاله عبر رسالته الإعلامية وكيف يوصلها بدقة وحنكة وذكاء ليأتي وقع ما يطرح من أفكار أكثر تأثيراً في النفوس، هو الإعلامي الذي عايش الكثير من الأحداث الهامة، وكان المدافع الصنديد عن سورية عبر مختلف المنابر وفي أحلك وأشد الأوقات صعوبة، فكان مفكراً ومحللاً وباحثاً ومتحدثاً من العيار الثقيل ومستشرفاً للمستقبل.
هو مُعلّم ومبدع وإنسان ترك بصمة لاتزال حاضرة في الكثير من المواقع التي شغلها خلال مسيرة عطائه، له مواقفه الرجولية بكل ما حملت به من معاني الشهامة والحرفية العالية والتي لعبت دورها في تطوير آلية العمل في مختلف المفاصل التي كان فيها، هو الداعم والمحرّض للعمل الجاد والمشجع للمبادرات والمستنهض للهمم، وفي الوقت نفسه لم يكن علامة فارقة فقط، وإنما صانع لعلامات مميزة حفرت عميقاً وتركت أثرها في مسيرة العمل الإعلامي على مر السنين، عمل بحب نابع من معرفة بأهمية العطاء والإيمان بالدماء الجديدة التي تثري العملية الإعلامية والإبداعية بنتاج مستمر وقاد لا يهدأ أو يستكين، وهي سمات تجعل من أي مؤسسة تعج عملاً شغوفاً في سعي إلى الارتقاء بها بالشراكة مع جميع من يريد أن يكون له دوره في ميدان العمل لإنجاز مشروع إعلامي حقيقي ومؤثر.
إنه غيض من فيض عن إعلامي مبدع له مكانته في وجدان وأفئدة من افتقدوه برحيله المُفجع، ويبقى السؤال هل لقامة إعلامية وفكرية كبيرة حُفر نتاجها في قلوب الكثيرين أن يتجرأ عليها الموت ويمحو وجودها؟.. أحقاً يمتلك الموت تلك السطوة التي يرعبنا بها أم تراه لا يقوى إلا على الجسد؟.. ربما يكون له جبروت ولكن عندما يطول المبدعين تكون السطوة والخلود لما تركوه من أثر يصعب على الزمن أن يتجرأ للنيل منه لأنه كُتب بماء من ذهب فبدا راسخاً كبنيان شيّد على الصخر، لقد خطّ الراحل أسطر عطائه بأحرف من نور أمست إرثاً غنياً ومنارة للأجيال، فما أشبه كلماته بالبذار التي يرشها الزارع في الأرض العطشى لتنبت مع الأيام وتغدو أشجاراً مثمرة دائمة العطاء في أرض الوطن .
مما لا شك فيه أن الكلمات تبقى عاجزة ومتلعثمة عند رثاء قامة بحجم الدكتور فائز الصايغ، ولكنها في مجموعها تشكل حالة حب ووفاء لإعلامي مبدع خلاًق كان له حضوره الخاص والمتفرد في المشهد الإعلامي، لروح الفقيد الكبير الرحمة والعزاء للأسرة الإعلامية ولأهله ولكل محبيه.