فاتن دعبول:
لم يحدث أن أثار شاعر عربي هزة متواصلة في الساحة الشعرية العربية، كما فعل الشاعر أدونيس، فلم تهدأ الجدالات والعواصف النقدية التي تعددت ألوانها بتأثيره، ولكن ما يعنينا اليوم هو تجربته الشعرية.
بهذه الكلمات قدم الأديب والشاعر بيان الصفدي لمحاضرته التي حملت عنوان: «مدخل إلى شعر أدونيس» في قاعة مبنى اتحاد الكتاب العرب.
قراءة لافتة
وبيّن الصفدي أن حياة الشاعر وبداياته وثقافته أكدت فرادته اللافتة، فقد نشأ في بيئة فقيرة محبة للعلم والشعر، وعاش طفولة فلاح قاسية وشقية لأب متفهم حنون وحرّ، وأم طيبة بسيطة، ومن الفاجع والراسخ ذلك الألم الذي خلفه موت الأب المبكر محترقاً، فترك أثراً لا يمحى في ذاكرة أدونيس، وقد بكاه في قصيدة» الموت» ومنها:
على بيتنا، كان يشهق صمت ويبكي سكون
لأن أبي مات، أجدب حقل وماتت سنونو
وأدونيس طفل لم يقتنع بما قدمه الكتّاب من علم، فراح يحلم بالمدرسة العصرية، وعندما علم بزيارة رئيس الجمهورية وقتذاك إلى جبلة قطع عشرات الكيلو مترات، وهو ابن الثالثة عشرة من عمره، ليلقي قصيدة في مدحه، ووقف أمام الجموع والرئيس، وقرأ قصيدته التي يقول فيها لشكري القوتلي:
إذا حذفت لام وياء من اسمه، بدت قوة لايستطاع لها رد.
وبعد إعجاب الرئيس بذلك الفتى قال له: “هل لديك طلب مني يا بني؟”.
فأجابه: أريد أن أتعلم، فقال له: سنعلمك على حسابنا، وهذا ما كان، والتحق بمدرسة “اللاييك” في طرطوس، وسريعاً برز أدونيس طالباً متفوقاً ومنخرطاً في النشاط ضد الاحتلال الفرنسي وقتها.
ونضجت شاعريته مبكراً بسبب الموهبة والاطلاع على أمّات الدواوين العربية، وخاصة الشعر الصوفي، مع معرفة أولية بشعراء فرنسيين “بودلير، هيجو، رامبو، وبول فليري” ما أكسب بداياته المتانة الملموسة في البناء الشعري وروح الانفتاح والتجديد، ثم انتقل إلى اللاذقية عام 1947، ونال الشهادة الثانوية عام 1949.
وبعد تردد أكثر من صحيفة في نشر قصائده باسمه الصريح، أرسل قصائده بتوقيع اختاره من خلال اطلاعه على أسطورة أدونيس، ففوجىء بنشرها، وهكذا ثبت على اسمه الجديد الذي اختاره وهو “أدونيس”.
مهندس القصيدة العربية الحديثة
وأوضح الصفدي أن الشاعر أدونيس من أهم الذين عززوا الأشكال الفنية للقصيدة العربية الحديثة، فكان كما وصفه علي الجندي بأنه مهندس القصيدة العربية الحديثة، فمنذ البدايات حمل معه بذور التميز، وكان شعره الموزون متأثراً ببعض الشعراء الرومانسيين كأنور العطار ونزار قباني ونديم محمد، وحتى بالكلاسيكيين الجدد وفي طليعتهم» بدوي الجبل وعمر أبو ريشة، وبعض أدباء المهجر كجبران خليل جبران، تقوده رغبة التطوير في الصورة والمفردة والبناء والرؤيا الشعرية.
إعادة عضوية
وفي نهاية المحاضرة طرح الشاعر بيان الصفدي موضوع إعادة عضوية الشاعر أدونيس “علي احمد سعيد إسبر” في الاتحاد، وقد أبدى الشاعر توفيق أحمد نائب رئيس الاتحاد موافقته، وطلب من أعضاء جمعية الشعر أن تقدم المقترح وفق الأصول، وقال: هذا حق له، وهذا واجب علينا تجاه شاعر سوري من مؤسسي الاتحاد، ويكفي أن نذكر أن كبرى الجامعات والمؤتمرات الأدبية في العالم تستضيفه بصفته شاعراً ومفكراً وناقداً، وتكررت دعوته كأستاذ زائر إلى جامعات ومراكز للبحث في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة وألمانيا.