أديب مخزوم:
أفتتح معرض الفنانة التشكيلية إلهام جبور في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة، بحضور الأستاذة نعيمة سليمان مديرة ثقافة دمشق، والأستاذ غسان غانم أمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، والأستاذ مدير المركز، ونخبة من الفنانين والإعلاميين والمهتمين، ولقد تضمن مجموعة من لوحاتها الجديدة والسابقة، بحيث بدا وكأنه معرض استعادي ، يرصد تحولات وإنعطافات نجربتها على مدى سنوات طويلة، حيث وجدنا لوحات موقعة في أكثر من مرحلة مرت بها، ففي قسم من لوحاتها تعيدنا إلى أجواء الورود والزهور التي جسدتها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حيث نجد وردة أو زهرة واحدة مكبرة أحياناً بمساحة اللوحة ، في حين عالجت المرأة بطريقة زخرفية وبإسلوب عرفت من خلاله في مراحل سابقة، وصولاً إلى لوحاتها التجريدية الزخرفية التي تستلهم أجواء السجاد والبسط، حتى أنها تقترب في أكثرية لوحاتها من أجواء المنمنمات ، بكثافة عناصرها المستمدة من الواقع والتراث .
ومعرضها الجديد الذي حمل عنوان ( الأمل ) أستعاد ألوان الزهور باحتفالية وبغنائية بصرية لافتة، وبدت لوحاتها وكأنها ربيع متجدد ودائم بكثافة أزهارها وورودها وبهجة ألوانها، وشكل امتداداً لمعارضها الفردية العديدة السابقة ( أقامت حوالي 17 معرضاً فردياً، إضافة لمشاركاتها في العديد من المعارض الجماعية الرسمية والخاصة ) وقدمت فيها المرأة والطيور والزهور وأجواء الطبيعة وأقواس وقباب المدن القديمة برؤى رمزية، مستمدة من عناصر التراث الفولكلوري والزخرفي . وهي تجسد المرأة بزيها الشعبي، وتقدم حواراً بارزاً مع الرموز المختلفة، كما تركز لإظهار الطيور والفراشات في بعض لوحاتها وفضاءاتها ، إلى جانب لوحاتها التعبيرية الأكثر عفوية وتلقائية في معالجة الوجوه والعناصر الإنسانية والأقل دقة ونمنمة زخرفية هندسية .
ومنذ البداية كانت تميل إلى كتابة الشعر، وإلى صياغة الأحاسيس بالكلمات، ولقد عملت في الإذاعة لفترة، إلا أن الدفق الشعري سرعان ما تحول من التعبير بالكلمة إلى لحن آخر هو لحن اللون، مع العلم أن حب الرسم كان كامناً في نفسها منذ ايام الطفولة ، وفي البداية جسدت هذا الحب من خلال استعادتها لجماليات الطبيعة بأرضها وسمائها وعناصرها .
هكذا تصبح الزخرفة في لوحات إلهام جبور مجالاً للتشكيل الحر والاستفادة من إمكانياتها المختلفة ، من دون أن تصل إلى صوغ هندسي بحت صادم للعين ، حيث تنسج الزخارف والأشكال وتجعلها أقدر على التعبير وأكثر تكثيفاً للانفعالات.، فالزخرفة هنا ليست سلبية، وإنما تعمل على إبراز العقلنة التي تتوازن مع إطلاق حرية التعبير. ونجد إجواء اللوحة غير مأزومة من الناحية الفنية التشكيلية، فهي إذا اقتربت من التزيين في لوحتها، ذهبت إلى تشكيل صرف في لوحات أخرى، ولعل هذه الحرية التي تنطلق منها في معالجة الزخارف هي التي تأخذ الألوان إلى أنشداد أكثر نحو الداخل أو إلى أنسياب عفوي، وقد تجلى ذلك في تلافيها طفيان أي جو لوني موحد ضمن المساحة الواحدة، فالألوان تظهر بدرجات متفاوتة في الجزء الواحد، كما أنها تظهر بدرجات تتفاوت بين الشفافية أو النتوء.وإذا كانت أجواء الزخرفة المتحررة هي المسيطرة على لوحاتها، فذلك لم يمنعها من استخدام أساليب مغايرة تقترب من الواقعية في لوحات أخرى، وتصل إلى حدود التعبيرية الفطرية، في لوحاتها التي تمثل أخر مراحلها الفنية التشكيلية.
واللافت في أعمالها تلك العفوية التي تتحرك فيها الخطوط والألوان، والتي غالباً ما تجعل الرموز والأشكال تظهر بطريقة فنية قديمة وحديثة في آن واحد ، وهي في حركة ألوانها وخطوطها تبقى مشدودة إلى الداخل ، مع محافظتها على خصوصية تعبيرية تتأتى من منهجها أو من طريقتها الخاصة في معالجة المرأة العربية والأشكال المختلفة ، ولا شك بأن التنويع الزخرفي يندرج في إطار أسلوبي موحد ، يعطي التجربة جمالية خاصة ، إذ استطاعت التعبير، في أعمالها الجديدة والسابقة أيضاً، عن إلمامها ومعرفتها العميقة بالزخارف الشرقية المتنوعة .
وهي لا تتقيد بالتناظر الهندسي الموجود في الزخرفة القديمة، وإنما تقدمها بإحساسها، وفي اتجاه عصري متحرر، لا يعتمد على الدقة والصرامة الهندسية، بقدر ما يذهب إلى الاستفادة من حركة التراث وطاقاته اللامحدودة .
وهي تعمد إلى إدخال مسطحات وبنى تشكيلية توحي بحضور العفوية والحرية في تركيب وتشكيل المساحات والزخارف والأشكال، ولهذا تتنقل من الزخرفة الهندسية إلى الزخرفة التوريقية ، كما أنها تمتلك القدرة على تحريك الزخارف من مقطع إلى آخر، حتى لا تقع في فخ الترداد أو التكرار الرتيب الذي تتصف به الزخرفة التزيينية التي توحي بحضور النظام من دون أية عاطفة وأبتكار، وذلك فهي تلتقي مع الزخرفة التقليدية وتفترق عنها في آن واحد .
ومن خلال معارضها الفردية والمشتركة منذ مطلع التسعينات، استطاعت قطف جمالية الإيقاع اللوني الخاص، الذي يطل من أشكال الزخارف العفوية