الثورة – ديب علي حسن:
كانت الحرب على سورية لأنها قلب العروبة، ونبضها ودمها، تنوعت بأشكال مختلفة بدءا من الغزو العسكري مع الاحتلال الفرنسي إلى العدوان الصهيوني، ولكنها عجزت عن فعل أي شيء، ومن ثم عملت دوائر صنع القرار على تغيير الاستراتيجيات ودمجها بأشكال وألوان مختلفة لعلها تضرب بنية المجتمع العربي، وفي مقدمته المجتمع السوري الأصيل الذي له في كل بقعة عربية بصمة عطاء.
انطلقت هذه الحروب الفكرية من معاهد الدراسات الأميركية التي زاوجت بين معطيات العلوم كلها، في الطب والاجتماع وعلم النفس، وهنا نتذكر ف. سكينر عالم النفس الأميركي الشهير صاحب كتاب (تكنولوجيا السلوك الإنساني) الذي يرى أن على واشنطن أن تدجن العالم كما يحلو لها ويوافقه في هذه الرؤية جون ديوي الذي يقول: قل لي أي إنسان داجن تريده حتى أصنعه لك).
فكانت فلسفة الليبرالية الحديثة التي تعري الإنسان من كل القيم والمبادئ، تحوله إلى مجرد هلاميات سابحة في موجة من الغزو الثقافي، وعبر مفاهيم خاطئة موجهة إلينا بقوة، وقد حذر السيد الرئيس بشار الأسد من هذه الحروب الناعمة، ودعا إلى ضرورة تصحيح المفاهيم والانتباه إلى خطورتها على المستوى ليس العربي إنما العالمي لأن ما يجري الآن ليس ضد المجتمعات العربية وحدها، إنما ضد المجتمعات العالمية التي ماتزال تحافظ على قيمها ومبادئها، وما الحرب الهجينة التي تخوضها واشنطن ضد الاتحاد الروسي، بل ضد العالم كله عبر أوكرانيا إلا تجسيداً لذلك.
يروجون لمفاهيم تقود الإنسان إلى ممارسة وحشيته باسم الليبرالية والحرية، وكان السيد الرئيس بشار الأسد قد نبه إلى ذلك في كلمته في اجتماع وزارة الأوقاف الذي عقد في جامع العثمان عام 2020 م إذ قال:
(هذه الليبرالية الحديثة هي نفسها التي سوقت الآن البدعة الجديدة أن الطفل يولد لا ذكراً ولا أنثى.. هو يختار لاحقاً إن كان ذكراً أو أنثى.. شيء عجيب; ماذا تفهمون من هذا الكلام؟ المطلوب من هذه الليبرالية ضرب إنسانية الإنسان، وهنا تتناقض مع الدين.. لأن الأديان أنزلت من أجل تكريس الإنسانية فتأتي الليبرالية لتفصل الإنسان عن إنسانيته.. إذا.. عندما يفصل عن إنسانيته ويفصل عن قيمه وعقائده ما الذي يقود هذا الإنسان; شيئان.. المال والغريزة.. وعندها تسهل قيادته بالاتجاه المطلوب.)
هذا الغزو الثقافي الممنهج الذي يحل مكان الغزو العسكري يفتك بالمجتمعات ويعمل على تدميرها انتماء وقيماً
(منهجية هذه العقيدة وهي طبعاً عقيدة ترفض العقائد لأنها تطلب من الإنسان ألا ينتمي للعقائد.. منهجيتها هي أن تحول مرجعية الفرد من المرجعية الجماعية.. كما هو الحال الطبيعي بالنسبة للبشر.. إلى مرجعية الفرد.. وبالتالي مرجعية الفرد المقصود فيها رغباته فكل ما يرغب به هذا الفرد هو صحيح بغض النظر عن المجتمع.. فإذاً رغبات الفرد هي الأساس لا الأسرة ولا المجتمع الأكبر.. انسلاخ الفرد عن هذه القيم هو منهجية ثانية.. الانسلاخ عن الأسرة والانسلاخ عن الوطن..)
نعم تعمل الليبرالية المتوحشة كما أشار السيد الرئيس بشار الأسد إلى تفكيك الانتماء وهنا مكمن الخطر القاتل:
(فإذاً هو لا ينتمي إلى أي شيء.. ينتمي لنفسه في الداخل.. وينتمي لهذه العقيدة الليبرالية.. هم يسوقون أن هذه العقيدة هي ليست عقيدة.. هي ترفض العقائد لكن في الحقيقة هي عقيدة. عندما نقول بأنها تسحب أو تلغي إنسانية الإنسان ماذا يعني تحوله إلى حيوان.. ما الفرق بين الإنسان والحيوان، الأشياء المشتركة.. الإنسان لديه عواطف والحيوان لديه عواطف ويكره ويحب.. الإنسان ينطق والببغاء ينطق.. قد يقول البعض وهذا متداول إن الفرق بينهما هو العقل.. لا غير صحيح.. لأن الحيوان لديه عقل ويتعلم.. ويتعلم من التجربة والخبرة.. الفرق بين الإنسان والحيوان هو شيء وحيد يتميز به الإنسان.. هو العقيدة لذلك ضرب العقائد هو ليس شيئاً جديداً وأنا سأذكركم عندما سقط الاتحاد السوفييتي وبدأ التفكك ما هو أول مصطلح طرح في أميركا، بأن زمن العقائد قد ولى يعني لا توجد عقائد.. يعني هذه هي بداية أو كانت مرحلة مهمة من مرحلة الليبرالية الحديثة.)
والغرب الذي يدعي أنه ليس مؤدلجاً، ولايؤمن بالايديولوجيات، يفعل ذلك بطريقة خبيثة قاتلة يريد شعوب العالم قطعاناً متحركة بكبسة زر يحركها كما يريد ومتى أراد
(فإذاً بالمحصلة هي أيديولوجيا ذات هدف سياسي لكنها لا تستطيع أن تصل إلى هذا الهدف من دون الأدوات الاجتماعية.. لا يمكن لها.. إذاً.. إذا كان الهدف سياسياً فما المشكلة بينهم وبين الدين; هل هناك مشكلة؟ بالمظهر لا توجد مشكلة.. لا مانع لديهم من أن نصوم ونصلي ونزكي ونحج وكل شيء.. لكن يجب أن نتخلى عن المبادئ والقيم.. يعني مقبول الدين الفارغ من المضمون مسموح به.. الدين المتطرف مسموح به.. أما دين صحيح فلا.. غير مسموح على الإطلاق..)
هذه الحروب المستعرة ضد الهوية والانتماء، وضد العروبة هي التي يجب العمل على مواجهتها، ولايكون ذلك إلا بالانتماء والتجذر كما أشار إلى ذلك السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته بمؤتمر القمة الذي عقد في جدة لقد شخص السيد الرئيس الداء ووصف أعراضه، ووضع الخطوط العريضة لمواجهته والعمل على اجتثاثه، وهذه مسؤولية عربية شاملة لا تكون بعمل فردي، وعلى المؤسسات الفكرية والثقافية أن تقدم الرؤى والطروحات التي يجب أن تنطلق من جوهر الانتماء إلى العروبة.