طوبى للسوريين وقد جعلوا من شهر أيار مناسبة لوقفات العز والشموخ والكبرياء والتضحية والفداء، ففي الخامس والسادس منه عام 1916 قدّم كوكبة من رجالات سورية الأوفياء أرواحهم عربون استقلال بلادهم وخلاصها من نير الاحتلال العثماني البغيض الذي دام أكثر من أربعة قرون، حين وقفوا على أعواد المشانق بكل إباء هازئين بجمال باشا السفاح وزبانيته، متطلعين إلى غد مشرق تثمر فيه دماؤهم وتضحياتهم أعياداً يحيها السوريون على مدى الأيام بكلّ فخر واعتزاز.
وفي الخامس عشر من أيار عام 1948 قدمت سورية كواكب أخرى من أبنائها الشجعان من أجل تحرير فلسطين ومقاومة العصابات الصهيونية التي قامت بدعم بريطاني وغربي وتخاذل دولي باحتلال هذه البقعة الغالية من سورية، حيث أرخت أيام النكبة بطولات لا تحصى قدّمها أبناء الجيش العربي السوري لمؤازرة أشقائهم في فلسطين، فاختلطت الدماء وكانت كلّ حبة من تراب فلسطين السليبة شاهداً على إرادة لا تقهر وعزيمة لا تفتر عند أبناء سورية واستعداد منقطع النظير لصون الأرض والعرض والدفاع عن الحقوق والمقدسات..وما زالوا..!
وفي التاسع والعشرين من أيار عام 1945 كتب أبناء حامية البرلمان في دمشق إحدى أروع الملاحم الخالدة في تاريخ سورية المعاصر وهم يواجهون بصدورهم العارية وأسلحتهم البسيطة جبروت المحتل الفرنسي الذي استخدم دباباته وطائراته لقهرهم وإخضاعهم لكنه عجز عن ذلك، حين رفضوا تحية العلم الفرنسي وارتقوا أباة شامخين، مسجلين وقفة عزّ للذكرى ستظل نبراساً يهتدي به الأبناء والأحفاد والأجيال القادمة إلى أبد الآبدين.
وها هو أيار من جديد شاهد على بطولات السوريين ووقفاتهم الشجاعة في ميادين الحرب والقتال والصمود، فخلال هذه الحرب القاسية الطويلة قدّم السوريون عشرات الآلاف بل مئات آلاف الشهداء، وكان لأيار حصته من هؤلاء الميامين الشجعان، لتبقى سورية عزيزة غالية مستقلة حرة كما أرادها ابطال ميسلون وأبطال السادس من أيار والسادس من تشرين وكلّ الأيام السورية الحافلة بوقفات الشرف والعز والتضحية والفداء.