لم تكن المحاولة الأوكرانية استهداف مبنى الكرملين بطائرات مسيرة مطلع شهر أيار الجاري محاولة جديّة لاغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقدر ما كانت إشارة من (أوكرانيا وحلف الناتو) لبدء نقل الحرب إلى داخل روسيا اعتقاداً منهم أن ذلك سوف يحرك مناهضي الرئيس بوتين داخل البلاد والتأثير على سير المعارك على الجبهات.
لكن السؤال.. من سيتحمل تبعات هذه الخطوة المتهورة؟ الولايات المتحدة أم الدول الأوروبية القريبة من الحدود الروسية التي تشارك بفعالية بتزويد كييف بالأسلحة المتطورة القادرة على ضرب الأراضي الروسية؟
بالرغم من أن معظم العواصم الأوروبية عبرت حتى الآن عن خشيتها من تهور النظام الأوكراني بنقل المعركة إلى داخل روسيا وضرب أهداف في موسكو، الأمر الذي سيوسع نطاق الحرب ويصعدها بطريقة لا يمكن توقعها أو توقع نتائجها، إلاّ أن تلك العواصم مازالت تزود نظام كييف بأحدث الأسلحة وتخطط للمزيد.
الهجمات الإرهابية الأخيرة صباح الثلاثاء 30 أيار الجاري بثماني طائرات مسيرة على مدينة موسكو، والتي أعلنت وزارة الدفاع الروسية إسقاطها جميعاً، دليل آخر على إصرار كييف على نقل المعركة إلى داخل روسيا. بعدما استهدفت محطات الطاقة النووية الروسية في لينينغراد، من خلال تفخيخ وتفجير عدد من أبراج الطاقة المغذية لتلك المحطات.
هذه الهجمات وإن كانت تحظى ببريق إعلامي، إلاّ أنها لا تعبّر عن قوة أوكرانيا بقدر ما تعكس حالة يأس وإحباط تحاول كييف التغطية عليها. لكن بنفس الوقت فإن هذه الهجمات سيكون لها تداعيات كارثية على أوكرانيا والدول المجاورة التي تدعم كييف وتمدها بالسلاح المتطور وخصوصاً ألمانيا وبولندا وبريطانيا.
فقد كشفت صحيفة “فرانكفورتر” الألمانية أن كييف طلبت رسمياً من برلين الحصول على صواريخ بعيدة المدى من طراز “توروس” قادرة على الوصول إلى موسكو، وأشارت الصحيفة نقلاً عن مصادر غربية إلى أن الرئيس زيلينسكي طلب من المستشار الألماني أولاف شولتس، خلال زيارته إلى برلين أوائل أيار”تزويد بلاده بصواريخ توروس”.
وتستطيع هذه الصواريخ التي يصل مداها إلى 500 كم ويمكن تحميلها على طائرات إف – 16 الأميركية التي وعدت أوكرانيا بالحصول عليها، أن تطال العاصمة الروسية موسكو إذا ما أطلقت من على الحدود الأوكرانية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا ستكون نتائج استهداف روسيا في العمق ولمصلحة من؟ وهل سيغيّر ذلك سير العمليات العسكرية على الجبهات؟ أم سيصعد الموقف؟ أم إن كييف تريد فقط جر الناتو والدول الأوروبية للانخراط في الحرب بشكل مباشر بعدما وصلت حالة الإحباط مداها الأقصى؟
السيناريو الأقرب للفهم هو أن كييف تريد جر الناتو والدول الأوروبية القريبة من روسيا كألمانيا وبولندا للدخول بشكل مباشر في الصراع مع روسيا وخصوصاً مع تراجع قدرات كييف العسكرية على مستوى التجنيد وحشد المقاتلين جراء حالة الإحباط التي مُنيت بها القوات الأوكرانية بعد خسارة أرتيوموفسك (باخموت) في العشرين من شهر أيار الجاري.
فالقوات الأوكرانية التي جرى الحديث عن تحضيرها لشن هجوم الربيع ضد القوات الروسية تعيش حالة إحباط متزايدة بعد خسارة مدينة باخموت الاستراتيجية بحسب صحيفة تلغراف البريطانية، ويبدو أن القيادة الأوكرانية تحاول تحقيق إنجازات وهمية تتعلق بهجمات إرهابية تخريبية داخل الأراضي الروسية لرفع الروح المعنوية المنهارة للقوات الأوكرانية وخصوصاً في ظل المصاعب التي تواجهها كييف في تجنيد الشباب الأوكراني اللازم لشن الهجوم المضاد.
لكن العواصم الأوروبية تنظر بقلق إلى التحركات الأوكرانية وتعتبرها خطوة خطيرة للغاية، وتخشى أن تتهور كييف وتستخدم صواريخ توروس لضرب موسكو حال حصولها عليها مع مايترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على تصعيد الحرب وتوسيع دائرتها لتشمل الدول التي تدعم كييف بالسلاح وخصوصاً الدول الأوروبية.
الوحيدة التي ربما تشجع كييف على نقل المعركة إلى الداخل الروسي هي الولايات المتحدة التي تعتقد أنها بمنأى عن ردة الفعل الروسية حال حدوث ذلك، لكن التحذيرات الروسية من مغبة سوء التقدير تستدعي من واشنطن التفكير ملياً قبل السماح لكييف التصرف بتهور.
نقل المعركة إلى داخل روسيا لن تغير مسار الحرب لصالح أوكرانيا، لكنها ستؤدي إلى توسيع نطاقها وتصعيد مسارها لتشمل الدول الأوروبية الداعمة لكييف بالسلاح المتطور، وقد تتحول إلى حرب عالمية شاملة لن تسلم منها ألمانيا وبولندا وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة الأميركية.