خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان:
في ظل حالة عربية إيجابية سادت العلاقات العربية مؤخراً وتبلورت مع اكتمال منظومة العقد العربي في اجتماع القمة العربية رقم 32 في جدة والتي جاءت بعد اثنتا عشرة عاما من الغياب والغربة وما سبقها من توقيع لبيان بكين محققاً أهم اتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية وما سبقه أيضاً من جهود عربية بذلت في سبيل تلك العودة السورية، وحتى اللحظة ما زالت عجلة التواصل العربي والإقليمي تدور كما يبدو لتحقيق تقارب مصري إيراني تترجمها التحركات العمانية النشطة التي لم تتوقف منذ زمن بعيد لإصلاح وترميم العلاقات العربية والإقليمية.
ولا ريب أن النظام الرسمي العربي أدرك حجم العوائق التي عثرت العمل العربي المشترك في ظل التجاذبات السائدة على المشهد الإقليمي وهذه الإشكالات والخلافات المانعة لم يتوقف تأثيرها على المستوى السياسي بل طالت الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أدت إلى تأثر الخطط التنموية في مختلف البلدان العربية بسبب هذه المعوقات في العلاقات العربية وبطبيعة الحال فإن أية عراقيل سياسية أو أمنية في المنطقة سيتمتد تأثيرها للخطط الاقتصادية والتنموية، إلا أنه ربما أيقن صناع القرار العربي أهمية تجاوز تلك الخلافات وفتح فضاءات أرحب من العلاقات الإيجابية تسودها لغة الحوار والتعاون والتبادل التجاري والاقتصادي والاستفادة من المعطيات الجغرافية في تحقيق التقدم والنماء وفتح صفحة جديدة ومتجددة من العلاقات البناءة والتعاون المثمر والعمل العربي المشترك فبدأت تغيرات المشهد العربي.
العنوان العربي والإقليمي كان واضحاً للعيان رغم وجود ملفات شائكة لكن استطاعت الإرادات العربية والإقليمية تجاوزها وردمها في ظرف وجيز وهذه الإرادات التي كنا نناجيها ونناشدها منذ زمن بعيد وقد أثقلت كاهل أمتنا العربية والإسلامية كنا نبارز تلك الإرادات العربية ونسدد قبلات الحياة نحو واقع الجسد العربي المتهالك المستغيب من أجل تحقيق استفاقة عربية فكنا نندب حظنا ونكرر مقولة لا حياة لمن تنادي واستمرأنا جلد الذات! اليوم أستدرك الأشقاء أهمية الأخوة العربية والإسلامية، وأدركوا التحولات على المشهد الإقليمي والعالمي وأهمية مسايرة تلك التحولات الدولية، وتحقيق استدارة عربية لمعالجة مخاطر التفرقة وتحقيق الوحدة والتوافق العربي والتعاون الإقليمي وبناء المشروع العربي المتكئ على العمل العربي المشترك وتحقيق وحدة الموقف العربي والتضامن كل تلك المفردات لا تمنحنا الحق أيضا بالتمادي في التفاؤل لكن نستطيع القول أن هناك رغبة عربية في مناوشة المستقبل والانعتاق من واقع التراجع والتشرذم للتخلص أولاً من هيمنة القوى التي سعت إلى نشر بذور التفرقة والصدام بين أبناء الأمة الواحدة من أجل تحقيق مشاريعها وأجندتها ومآربها الشيطانية التي جثمت على صدورنا طوال عقود.
اليوم نظن أن العرب تعلموا الدرس واستشعروا حاجتهم إلى بعضهم البعض للبناء والتنمية وكف شبح التدخلات الخبيثة في شؤون الجغرافيا العربية والإقليمية لذا جاءت قمتا العرب مع أعظم قوتين في العالم لتؤطران لعلاقات عربية دولية معززة بالتعاون في ظل الاحترام المتبادل ومشروعية السيادة الوطنية فهبط الإلهام بعدها تكراراً على العواصم العربية فتصدرت قرارات عربية عناوين العالم منها الخفض النفطي العالمي الأول والثاني واستقلال القرار العربي في مجلس حقوق الإنسان والتلميح إلى إمكانية التعامل بالعملات المحلية في رسالة واضحة أن استقلال الإرادة والسيادة تحكم المشهد العربي لذا جاءت المملكة العربية السعودية على صدارة المشهد العربي في استضافة عدد من القمم السياسية الاقتصادية والأمنية التنموية فكان لافتاً أن اتفاق بكين له ما بعده لرتق تشققات المشهد العربي في ساحات متعددة بدءاً باليمن وليس انتهاء بسورية ولبنان.
اليوم هناك ملفات ثقيلة تفرض نفسها على الساحة العربية تستوجب العمل الدؤوب وبجسارة لتحقيق النجاح والتقدم في الحالة العربية وعدم الاكتفاء بتذويب جليد الخلافات فقط، فعودة سورية على سبيل المثال تتطلب جهداً عربياً جماعياً لتحقيق منافعها والتي تبدأ أولاً بقرار عربي جماعي لكسر الحصار الجائر وغير الشرعي على سورية، وكما عادت سورية بالإجماع فليكن استمرار الجسور الجوية والبرية والبحرية إلى سورية استكمالاً لتلك الإرادة العربية التي قالت أهلاً وسهلاً بسورية قلب العروبة النابض في البيت العربي، وهنا ينبغي الإسهام الدبلوماسي العربي بالدعوة إلى انسحاب القوات المحتلة للأراضي السورية والمساعدة في إعادة الإعمار تمهيداً لعودة النازحين واللاجئين في جدول زمني محدد.
القضية المحورية الفلسطينية تأتي في صدارة القضايا العربية التي تتطلب جهداً عربياً جماعياً لمساندة الأشقاء في فلسطين وإعادة الدعم العربي للقضية الفلسطينية كما كان قبل عقود سابقة، كما أن هناك حالات عربية تتطلب وضعها على جدول أعمال الرئاسة الدورية للجامعة العربية منها الصراع في السودان وإنهاء الأزمة في اليمن ومساعدة اليمنيين في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية، كذلك هناك ملفات تتعلق بالعمل العربي المشترك مثل السوق الاقتصادية العربية وتكوين تكتل عربي موحد في المنظمات الدولية، وملفات الاستثمار والاقتصاد ودعم الدول العربية التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة.
كل تلك التطلعات ليست أماني وأحلام بقدر ما هي خطوط هامة لمشروع قومي عربي يتطلع إليه أبناء الأمة العربية أساسه العمل العربي المشترك وجوهره التوافق والإجماع العربي تحكمه الإرادة العربية التي يجب تعزيزها بالوحدة والقرارات الشجاعة لملامسة كل جوانب الحياة العربية مع أهمية التصدي لأي محاولات خارجية مغرضة تحاول التسلل لإفشال أي موقف عربي إقليمي إيجابي، وبلا شك كل ذلك يكفل ترسيخ قواعد عربية صلبة تبرز المشهد العربي لعقود قادمة.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم