الثورة- أديب مخزوم:
رحلت في نهاية الأسبوع الماضي، الفنانة والناقدة والكاتبة الفرنسية فرانسواز جيلو عن 101 عاماً، بعد معاناة من أمراض في القلب والرئة، وهي إحدى زوجات فنان العصر بيكاسو، وأم ابنه كلود وابنته بالوما، ولقد كانت رسامة هاوية حين دخلت محترفه في البداية كموديل،
ثم أصبحت موديل بيكاسو تعرض لوحاتها في بعض صالات باريس، عاصمة من عواصم الفن الحديث والمعاصر، وهي من مواليد 1921، في منطقة نويي سور سين، في ضواحي باريس، وتنتمي لعائلة برجوازية، ولقد سارت على خطى والدتها التي كانت تهوى الرسم، وكانت قد ارتبطت ببيكاسو عام 1943 حين كان في الستين وهي في العشرين.
وكانت فرانسواز جيلو قد هاجمت بيكاسو بشدة في الصحف والمجلات، بعد انفصالها عنه عام 1953 ثم أطلقت عام 1964 كتاباً تحت عنوان (حياتي مع بيكاسو) وأعتبر بمثابة الكتاب الفضيحة، والأكثر واقعية في وصف أسلوب حياة فنان العصر .. ولقد حقق أرقاماً قياسية في المبيع على مستوى العالم، حيث تُرجم إلى 16 لغة، وأعتبر الكتاب الأكثر واقعية ومصداقية، حيث صورت فيه بيكاسو كرجل مستبد وأناني، واتهمته بسوء معاملتها، وبالخيانات الكثيرة والمتكررة .
ولقد دخلت بعض لوحاتها ضمن مقتنيات متحف مِتروبوليتان للفنون، ومتحف الفن الحديث في نيويورك، كما عرضت لوحاتها ورسوماتها في العديد من المتاحف والمجموعات الخاصة، في أوروبا والولايات المتحدة، وبيعت في حزيران/ يونيو عام 2021، لوحة لها تحمل عنوان «بالوما مع الغيتار» بمبلغ 1.3 مليون دولار، في مزادٍ نظّمته دار «سوذبيز» .
ويذكر أن زوجة بيكاسو الأخيرة جاكلين روك كانت قد منعت ولديه من فرانسواز جيلو (كلود وبالوما) من السير في جنازته (رغم أنه غير مجرى الفن الحديث) وذلك بسبب الخلافات التي كانت قائمة بينهما.
ومن المواقف الطريفة أن فنان العصر بيكاسو اصطحب معه مرة زوجته «فرانسواز جيلو» خلال زيارته لمرسم صديقه هنري ماتيس، فانبهر الأخير بعباراتها الشاعرية وبإشراقة وجهها وبإطلالتها اللافتة، وسرعان ما طلب منها أن تجلس أمامه كموديل ليرسمها، وفي الوقت الذي كان يضع فيه خطوط الرسم الأولية على سطح اللوحة، ويطيل النظرفي ملامحها، لالتقاط عمق حالتها النفسية المقروءة في قسمات وجهها وتعابير عينيها، كان بيكاسو جالساً في ركن من المرسم يراقب خطوات إنجاز بورتريه صديقه لزوجته.
ولقد استطاع ماتيس، معاينة سمات الأصل، والإفصاح بالظل والنور والنسب، عن مختلف التعابيرالنفسية الصادقة في بورتريه «فرانسواز» مع إعطاء الجوانب الفنية أهمية خاصة، وذلك من خلال إظهار طبقات اللون، وتكسرات الضوء، وإضفاء اللمسة اللونية العفوية وكثافتها، والعناصر الزخرفية المعبرة عن أسلوبه وأحاسيسه ومشاعره الداخلية الصادقة والعميقة، ثم أدخل في لوحات عديدة صورة «فرانسواز» التي ظلت ملامحها مطبوعة في مخيلته، وظاهرة في بعض لوحاته، هي التي كانت تزوره باستمرار، ولاسيما بعد انفصالها عن بيكاسو، وتفتح معه أجواء النقاش الفني والتقني كونها فنانة وناقدة تشكيلية في الأساس.