محمد شريف الجيوسي – كاتب أردني:
تزمع الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً، تشديد العقوبات المفروضة على سورية وعلى الدول والجهات الداعمة والمتعاونة والمنفتحة عليها، متغافلة عن التحولات الكبرى الجارية في العالم، وعن توصل المتحولة سياساتهم إلى قناعات بعقم فرض إرادات جاهلية ثأرية، بل وارتدادها عكسياً ما أسهم في خلق وتكريس تحولات عميقة عالمياً وفي موازين القوى العالمي، وتقارب المتضررين من الإستراتيجية الأمريكية ومن معها، بغرض الانعتاق من عقود وقرون اتسمت بأبشع أنواع الاستغلال والهيمنة واستغفال العالم، وسرقته.
وعلى المقلب الآخر عملت أميركا والغرب على فرض نماذج غير سوية من الحياة الطبيعية المنافية لقيم الإنسانية النبيلة وإغراقه بالمثلية والمخدرات وتجارة البشر بمسميات مواربة وانتهاك الأنوثة بدعاوى الدفاع عنها وعن حقوق الإنسان، فيما هي في الواقع تدمر جملة وتفصيلاً حقوق الجميع، أفراداً وجماعات، نساء ورجالاً، مسنين وأطفالاً، جراء التدخل في شؤون الشعوب والأمم والدول، وشن الحروب وزرع الفتن وشراء الذمم ونشر الفساد المادي والمعنوي، وتحويل البلاد إلى دمار، فضلاً عن القتلى والمصابين والمختطفين والمفقودين والمهجّرين والمُفْقرين.
وعمل الغرب على استغلال من اضطروا للهجرة من مناطق سيطرة العصابات الإرهابية في سورية كأيد عاملة رخيصة، وعقول علمية مبدعة، تعادل النضوب الديمغرافي الغربي المتواتر نتيجة تحول الغرب إلى الملذات الآنية العبثية السريعة والسلوكيات غير الإنسانية السوية، ويحرص الغرب على عدم عودة المهجرين إلى وطنهم، بزعم أنه لا تتوفر شروط إقامة آمنة وحياة مستقرة، فيما هو يواصل سرقة نفط وغاز سورية وحبوبه، ويدعم قصف إسرائيل لسورية، لمنع عودة الأمن والاستقرار وعودة المستثمرين من الاستثمار فيها، وما يزال يدعم عصابات الإرهاب ويقيم القواعد العسكرية المساندة للإرهابيين كـ “التنف” ويدعم انفصاليي قسد، الذين تستخدمهم تركيا ذريعة للسيطرة على مناطق في الشمال ولدعم عصاباتها الإرهابية.
وعليه فالممارسات الأمريكية والأوروبية الغربية وإسرائيل، تشكل عائقاً أمام عودة المهجرين السوريين، لاستخدامهم كورقة ضاغطة سياسياً ومهنياً واقتصاديا ضد وطنهم، وإلحاق بعضهم بالجماعات الإرهابية لقلقلة الأمن في سورية وجوارها.
أقول إن الولايات المتحدة الأمريكية بإصرارها متابعة ذات النهج العدواني، تتابع بصلفها السير نحو فقدان مصالحها في المنطقة برمتها، هذا النهج الذي خلق وعمّق وكرّس وسرّع التحولات التي تحاول كبحها دون جدوى، بل توسع قاعدة المتضررين من سياساتها؛ حتى لتوشك إصابة أطراف من معسكرها، الذي يصر على السير في ذات الخط، كأكثر التنظيمات المعزولة في غياهب الأرض، المعزولة تماماً عن الحضارة، وذات مواصفات ثأرية بدائية قصيرة النظر، تتصرف بعقلية القطيع، وتتبع من في عنقه الجرس (أي واشنطن).
ليس واضحاً على نحو عقلاني، مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بالإصرار على متابعة السير بمواجهة الخط التاريخي الصاعد، واتباع سياسيات وممارسات أفقدتها وتفقدها هيبتها، في مقدمتها انعدام مبرر حصار سورية من وجهة أخلاقية وحضارية، وهو الحصار الذي سبقته حرب ضروس عليها كوطن ومقدرات واستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وقيمي، وكجيش وقيادة وطنية برؤية عميقة واضحة ذات تحالفات واسعة.
لقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حرباً غاشمة على سورية ودول عربية أخرى، وجندت لذلك ما يعلمه الجميع، وهو ما أقرت به مراكز دراسات أمريكية وقيادات الصف الأول، وتباهى بها بعضها، بينما اعتبره منصفون أمريكان سبّة جديدة في جبين التاريخ الأمريكي المشبع بالخطايا والكوارث والحروب العدوانية والدماء الخ.
لقد أسهمت الحرب، بإعادة نظر عالمية فيما تقترفه واشنطن من مآسٍ، لدخول أطراف أخرى على خطها، دبلوماسياً بداية عبر حق النقض في مجلس الأمن (روسيا والصين) وعسكرياً بناء لطلب شرعي سوري (روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية) وعلى صعيد الاقتصاد أيضاً.. وتكرس في الذاكرة الروسية ضرورة تجنب تكرار خطا ترك العراق وليبيا، ما أسهم بوقوعهما كما نعلم فيما وقعا فيه.
لقد منح التدخل الغربي العدواني العميق في سورية وفي غيرها، بقيادة واشنطن، روسيا والصين ومعهما إيران فرصة التدخل وبالتالي الصعود، وصولاً مع عوامل أخرى وتراكم غباءات غربية وصلف سياسي واقتصادي، وبالتدريج تشكلت جبهة أممية عريضة مناهضة لأمريكا ولجبهتها، فمن المنطقي مع ازدياد رقعة المحاصرين (بفتح الصاد) تضيق رقعة المحاصرين (بكسر الصاد) وهو ما أشرت إليه غير مرة بداية تسعينات القرن المنصرم بكلمات، إن لجوء أمريكا ومعسكرها الغربي الصهيوني التركي إلى تمديد وتوسيع حصار سورية وتشميل المنفتحين عليها بهذا الحصار، سيسهم في توسيع جبهة المحاصرين (بفتح الصاد) وبالتالي جبهة المتضررين بحماقات سياساتها وقادتها، وتعجيل سقوطها عن شرفة الدولة الأعظم (ولن يؤدي فقط إلى مشاركة قوى أخرى صاعدة لها؛ تلك الشرفة).
بكلمات أيضاً أقول: ستكون سورية وحلفها وأصدقاؤها والمنفتحون عليها، أكثر قوة، مع إيغال أمريكا أكثر؛ في اتخاذها قرارات وسياسات ذات طبيعة عدوانية إثنية بدائية متخلفة.
السابق