لم يكن حفلاً لتخريج طلاب معهد أدهم إسماعيل للفنون وحسب، فمن يرى هذا العرض لنتاجات الطلاب، وما تتسم به من عمق حقيقي، وغنى في الموضوع واللغة الفنية الآسرة، يدرك أننا في مهرجان حقيقيّ للفنّ التشكيليّ.
فقد غاص الطلاب في أعماق المجتمع وقضاياه الساخنة، وعبّروا عنه كلّ على طريقته، فثمة قيمة عالية يبحثون عنها في كومة من الألوان والعناوين، لتصل إلى المتلقي بالطريقة التي تليق بالفن الذي أسست له حضارتنا، منذ القديم وبدأ الإنسان الأول في التعبير عن نفسه واحتياجاته عبر الرسم والأشكال.
وهذا بدوره يحيلنا إلى قضية مهمة، فمن المؤكد أنّ الفنون التشكيلية هي واحدة من وسائل التعبير والتواصل مع الآخر، وتساهم في نشر وتعزيز ثقافة الوعي لدى المواطن، وهو في الآن نفسه يساهم في بناء المجتمع، وبالطبع لا نقول: إنه يستطيع أن يغير العالم، لكن يمكن أن يساهم في إيجاد رؤية جديدة، لأنه يساعدنا على فهم أنفسنا والتعبير عنها.
وكما الموسيقا يساهم الرسم والفنون التشكيلية بشكل عام على علاج الكثير من الأمراض النفسية، وهذا ما أكده الكثير من الباحثين والأطباء، لأن الفن يتيح للمريض أن يعبّر عن نفسه ويسكب مكنوناته ومعاناته على الورق، ما يعزز الشفاء وإعادة التوازن إلى الفرد.
وندرك جميعاً أننا أمام جيل كامل، عاصر الحرب واكتوى بنارها، وتركت في نفسه ما تركته من تشوهات نفسية وسلوكية، ما يدفعنا للقول إلى ضرورة استثمار المراكز الثقافية ومراكز الثقافة الشعبية في إقامة أندية صيفية ودورات يشارك فيها الطفل ويعبر عن تطلعاته عبر الرسم، وخصوصاً أن المدارس بدأت عطلتها النهائية، والفرصة مناسبة لاستقطاب الأطفال وتنمية مواهبهم وتشجيعهم على الرسم، لأنه بوابتهم لعبور حياة آمنة.
وكثير من التجارب في العالم تؤكد دور الفن في الارتقاء بالسلوك الإنساني والسلوك المجتمعي، فهو يهذب النفس ويسمو في الروح، ويخلق لدى الفرد شعوراً بالتسامح والتفاعل مع الآخر، وخصوصاً مع أبناء جلدته، وما أجمل بلادنا عندما تزهو بنتاجات أبنائها، وتعلن رسالتها الحضارية إلى العالم كلّه.