د. مازن سليم خضور:
مصطلح لطالما تحدثنا عنه كثيراً.. “أصحاب الازدواجية” سواء أكانوا أفراداً أم جماعاتٍ أم دولاً يقيسون الأمور بميزان مزدوج، فهم يرون ما لهم من الحقوق، وينسون أو يتناسون ما عليهم من واجبات، ما هو حلال لهم حرام على غيرهم والعكس صحيح هذه النظرة هي “ازدواجية المعايير” أي القياس بمقياسين أو معيارين مختلفين متناقضين في نفس الوقت.
ازدواجية المعايير أو ما يسمى أيضاً الكيل بمكيالين مصطلح صيغ كمفهوم سياسي في العام (١٩١٢) والذي يشير إلى “مجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكاماً مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى والكيل بمكيالين مبادئ ينظر إليها على أنها مقبولة لاستخدامها من قبل مجموعة من الناس، ولكنها تعتبر غير مقبولة ومن المحرمات، عندما تستخدم من قبل مجموعة أخرى. الكيل بمكيالين”!
سنتحدث هنا عن ازدواجية المعايير بالنسبة للدول التي ادّعت أنها ترعى حرية التعبير وحرية الشعوب واحترام الأديان وهي أول من تناقض نفسها في ذلك والأمثلة كثيرة ولنبدأ من راعية الديمقراطية والحرية (فرنسا) الاستعمارية وما صرح به وزير داخليتها (جيرالد دارماتان) في الأحداث الأخيرة التي حصلت والاحتجاجات والتظاهرات المستمرة بسبب مقتل شخص من أصول جزائرية من قبل شرطي ومن مسافة قريبة دون أن يشكل القتيل خطراً مباشراً للشرطي إلا ازدواجية معايير خاصة أنه قال – وزير الداخلية ” تم إحراق أو مهاجمة بلديات ومدارس ومراكز شرطة هذه أعمال عنف لا تحتمل ضد رموز الجمهورية”!
نحن ضد الاعتداء على أي مدرسة أو منشأة خاصة أو عامة ولكن ما موقف الحكومة الفرنسية التي دعمت وساندت أعمال الشغب وقتل الأبرياء والعمليات الإرهابية بحق الآمنين في سورية؟.
هل المدرسة بسورية تختلف عن فرنسا وهل أي منشأة عامة في سورية تختلف عن غيرها من حيث المبدأ؟.
هل الاعتداء على الجيش العربي السوري والعلم الوطني والتدخلات السياسية من قبل فرنسا لم تكن بحق رموز الجمهورية العربية السورية؟
هل وجود قوات احتلال إسرائيلي وأميركي وتركي وفرنسي على الأراضي السورية ونهب ثرواتها وخيراتها لم تكن بحق رموز الجمهورية؟. علماً أن فرنسا واحدة من الدول التي ما زالت حتى اليوم تستعمر دولاً وتنهب خيراتها!
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرح أن أعمال العنف التي أعقبت مقتل شاب على يد الشرطة غير مبررة!
بالنسبة للفرنسيين فهل الأعمال غير المبررة تكون مبررة عند غيرهم!
تطورات فرنسا بدأت في نانتير بعد مقتل فتى على يد شرطي حيث اندلعت أعمال شغب
في حين نشرت الحكومة الفرنسية الآلاف من عناصر الشرطة للتصدي للمظاهرات وبلغ عدد المعتقلين المئات وهناك أصبح قتلى في صفوف المتظاهرين؟
ونبقى في فرنسا التي تنادي بحرية الأديان هناك تهمة جاهزة وعلى وجه السرعة قائمة وهي معاداة السامية؟.
في ذات الوقت تقوم محكمة فرنسية تؤيد حظر الحجاب في مباريات كرة القدم النسائية في دليل على حريتها المزعومة!
ونبقى ضمن دول الاتحاد الأوروبي شاب سويدي من أصول عراقية يدعى “سلوان موميكا” مزق مصحفاً وأضرم فيه النار عند مسجد ستوكهولم المركزي تزامناً مع بدء عيد الأضحى.
الشرطة السويدية قالت “طبيعة المخاطر الأمنية المرتبطة بإحراق المصحف، لا تبرر بموجب القوانين الحالية رفض الطلب”.
وسبق للسويد أن سمحت للناشط السويدي الدنماركي المدان بالعنصرية راسموس بالودان، بتنظيم تظاهرة والقيام بجولة في أنحاء البلاد وأحرق علناً نسخاً من المصحف.
والملفت سماح السويد لحرق الكتاب السماوي واستفزاز أكثر من ربع سكان العالم يعتبر نوع من حرية الرأي!
السياسيون في السويد نددوا بإحراق المصحف، لكنّهم دافعوا أيضاً بشدة عن الحق في حرية التعبير !
اللافت في تصرف موميكا وبالدوان هو أيضاً التوقيت والإمعان في الاستفزاز فالأول حرق المصحف أول أيام عيد الأضحى المبارك والثاني في شهر رمضان المبارك؟
فهل إنكار “الهولوكوست” تستدعي عقوبات وتجريم بينما حرق كتاب سماوي له قداسته عند كل الأديان يعتبر حرية رأي فأي ازدواجية عند المجتمع الدولي والغربي تحديداً.
وكما جاء في بيان الخارجية السورية في أن هذه الجريمة عدا عن كونها تمس مشاعر ملايين المسلمين وتتناقض مع مشاعر المحبة والاحترام بين الأديان، فإنها توضح بشكل لا لبس فيه المستوى الأخلاقي الذي انحدرت إليه الحكومات الغربية، والنفاق وكذب القيم التي تدعيها، والتي لم يصل إليها أعتى الجماعات تطرفاً وبعداً عن القيم الإنسانية والروحية.
من هنا نرى حجم النفاق والازدواجية التي تنادي به دول الغرب في التعاطي مع أي موضوع ليصدق عليهم قول الكاتب الإنكليزي وليام شكسبير: حديثهم شيء.. وحقيقتهم شيء آخر!!.