الثورة – ناصر منذر:
تجسد جنين ومخيمها رمزاً نضالياُ للشعب الفلسطيني، الذي يقدم التضحيات الجسام في سبيل دحر العدو الإسرائيلي، إذ شكَّل المخيم طوال تاريخه النضالي رأس الحربة في مقاومة الاحتلال، وسجَّل أهله المقاومون انتصارات كبيرة هزت كيان الاحتلال.
فمخيم جنين، الذي يقع في أقصى غرب مدينة جنين والمحاط بالمرتفعات والسهول، والبقعة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها الـ 473 دونماً، وثاني أكبر مخيمات الضفة، لطالما ارتبط اسمه بالعمليات البطولية التي يقوم بها المقاومون في التصدي لقوات الاحتلال، وكذلك الشهداء الكبار الذين سقطوا على أرض المخيم للدفاع عنه.
وهو يعد بمثابة شوكة قوية في حلق الاحتلال، التي أوجعته على مدار سنوات طويلة وخاصة في مدن الضفة، التي لا يكاد يمر يوم إلا وتُسجل فيه حملات اقتحامات واعتقالات ومواجهة واسعة مع الفلسطينيين.
الاحتلال يستهدف مخيم جنين منذ سنوات طويلة، لمحاولة القضاء على المقاومة التي لطالما أرعبت المحتل، وجعلته يتوجس كثيراً من قدرة فصائل المقاومة الموجودة بداخله على تطوير أساليب المقاومة بما يصيب الاحتلال في مقتل، وخشيته أيضاً من أن يتمدّد هذا النموذج إلى مناطق أُخرى في الضفة، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم مآزق الاحتلال.
وقد شهد المخيم معارك عديدة منذ بداية اجتياح الاحتلال للضفة الغربية المحتلة، كان أبرزها في شهر آذار من العام 2002، حيث خاض رجال المخيم من كافة الفصائل معركة خلدها التاريخ دامت 15 يوماً، دمر خلالها الاحتلال المخيم بشكل شبه كامل، فيما سجلت خلالها ملاحم من البطولة والمقاومة، استشهد فيها أهم القيادات العسكرية من الفصائل الفلسطينية آنذاك في الضفة الغربية.
وحينذاك وظّفت المقاومة الفلسطينية مساحة المخيّم الصغيرة وطبيعة بنائه (المنازل المتلاصقة والشوارع الضيقة) لصالحها حيث عمل المقاومون على إحداث فتحات في الجدران للتنقل حالت دون رصدهم من قبل طائرات الاحتلال، كما أوقعوا آليات الاحتلال في الكمائن التي أدّت إحداها إلى قتل 13 جندياً وإصابة 15 آخرين.
وقد أدرك الاحتلال في ذلك الحين حجم خسائره فعمل على هدم وجرف المنازل والشوارع كي يؤمن طريقاً مفتوحاً للدبابات وتدمير حصون المقاومة، لكن المواجهة بقيت مفتوحة في “عش الدبابير” “بحسب وصف كيان الاحتلال للمخيم” الذي كلّف الاحتلال 50 قتيلاً وإصابة عشرات آخرين.
غداة العدوان الأخير على جنين ومخيمها، أقر عدة محلّلين عسكريين في جيش الاحتلال بأن الوضع تغيّر، وبأن جنين تصنع نموذجاً يُحتذى، معربين عن خشيتهم من أن يتمدّد هذا النموذج إلى مناطق أُخرى في الضفة، وهو أمر يمكن ملاحظته بصورة جليّة في نابلس، وفي طولكرم وأريحا، وبحسب المحللين يخشى العدو الإسرائيلي كذلك أن تتحوّل جنين إلى معضلة لا يستطيع مواجهتها، ويضطر إلى التعامل معها كأمر واقع، كما هي الحال في قطاع غزةً.
بعد اندحار الاحتلال، أثبتت جنين مجدداً بأنها أيقونة للصمود، وصانعة انتصارات على العدو الإسرائيلي، ولا شك بأن هذا الانتصار الجديد هو امتداد لانتصارات الشعب الفلسطيني في مختلف ساحات النضال.