الثورة – فؤاد الوادي:
فشلت الآلة العسكرية الإسرائيلية برغم جبروتها في اجتياح مدينة جنين ومخيمها، وبالتالي فشلت حكومة الاحتلال في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية ما خلا الموت والدمار الذي خلفته وراءها، بل يمكننا الذهاب أكثر في القول: إن “ملحمة جنين” شكلت تحولاً استراتيجياً في تعاطي المقاومة الفلسطينية مع تهديدات وجرائم العدو الصهيوني خلال المرحلة المقبلة.
العدوان الإسرائيلي الذي استمر 48 ساعة والذي كان يهدف بالدرجة الأولى إلى اجتثاث المقاومة الفلسطينية من داخل جنين، وبالرغم من اجتياح قوات الاحتلال المدينة الصغيرة بالدبابات، وبإسناد من الطائرات الحربية لحسم المعركة سريعاً، إلا أن هزيمة وفشل الاحتلال كان الأسرع لأنه كان العنوان الأساسي للمعركة منذ لحظاتها الأولى، لأنه أثبت مجدداً استحالة وصول العدو إلى تحقيق هدفه الاستراتيجي بالقضاء على المقاومة وفي أي مدينة أو قرية فلسطينية مهما صغرت مساحتها الجغرافية، ليس هذا فحسب، بل إن هذا الصمود الأسطوري لأبناء جنين أثبت وأكد مجدداً للعدو الإسرائيلي استحالة الاجتياحات البرية، واستحالة التقدّم متراً واحداً داخل المكان الذي يوجد به هذا الهدف، لما يحمله ذلك من خسائر وأثمان باهظة في الأرواح والعتاد، وبالتالي شل القدرة العسكرية الإسرائيلية وتقييدها وإفقادها حريتها في الوحشية والقتل والتدمير، ودفعها إلى الاستدارة والرجوع والفرار مدحورة مهزومة.
لقد وجد العدو الإسرائيلي نفسه أمام مواجهة كبرى مع المقاومة الفلسطينية تجاوزت حدود المكان الجغرافي لمدينة جنين لتغطي عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن إستراتيجية ” العمل المقاوم المشترك” التي اتبعتها المقاومة الفلسطينية بخبرة وذكاء ورجاحة قتالية عالية في المواجهة والمناورة والتكتيك وتحقيق انتصارات سريعة وإصابات دقيقة في عمق الإستراتيجية والأهداف الإسرائيلية وجعلها في مهب الريح.
فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه في جنين، هو امتداد لمسار طويل من الفشل والهزائم التي منيت بها “إسرائيل” منذ احتلالها لفلسطين ولبعض الأراضي العربية – الجولان السوري وجنوب لبنان – وهو بالتوازي امتداد واستكمال لمسيرة طويلة من الإنجازات والانتصارات للمقاومة الفلسطينية والمقاومة العربية التي رسمت طريقها وحسمت أمرها بأنه لا خضوع ولا استسلام حتى تحرير الأرض المحتلة ودحر الاحتلال الإسرائيلي وعودة كل المهجرين إلى أراضيهم وقراهم التي هجَّرهم منها الاحتلال، وهذا ما يقودنا إلى أن الحقوق لن تموت بالتقادم مهما طواها الزمن، لأنها تسري في شرايين الدم والروح وتتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، وهذا ما جسده الشباب المقاوم في فلسطين ولبنان وسورية أيقونة الصمود والمقاومة والنصر.

السابق