عنوان صادم تصدر الإعلام يقول: “لأول مرة في العالم قمة أممية حول الذكاء الصناعي بحضور لجنة من الروبوتات التي ستجيب عن أسئلة الصحفيين”.. ولعل كل مَنْ قرأ هذه العناوين وقف مندهشاً مما وصل العصر إليه حتى كدنا نصفه بعصر الجنون، أو الهوس بالذكاء الصناعي.
تطور تقني تحت مسمى (الذكاء) يوشك على تبديل الأدوار بين البشر والآلات التي يخترعونها ليصبح القرار بيد الآلة لا بيد الإنسان. وها هي أول قمة عالمية تعقد مؤتمرها الأول بمشاركة عدد من الروبوتات الحديثة التي تم تطويرها خصيصاً للمشاركة في هذا الحدث الكبير كعضو مشارك إلى جانب العلماء، والمهندسين، والمختصين في مجال التكنولوجيا، والمهتمين من جميع أنحاء العالم، لتشارك هذه الآلات التي اكتسبت شكلاً بشرياً في الفعاليات فتناقش، وتحاور، وتطرح حلولاً، وتجيب عن أسئلة الصحافة في مؤتمر صحفي نوعي يحصد إجابات ربما ليست في الحسبان.
قمة اعتبرت نقطة تحول مهمة في تاريخ التكنولوجيا، والذكاء الصناعي، إذ تم تمهيد الطريق لتطوير تقنيات جديدة، وابتكارات حديثة تستخدم في مختلف المجالات كما الصناعات بهدف تحسين الجودة، وتعزيز التنمية في جميع حقولها.
أما المفاجأة الكبرى في تلك القمة العجيبة أن تلك الروبوتات المتطورة كانت أبرز المشاركين في العديد من الفعاليات، بعد أن قدمت عروضاً تفاعلية، ومحاضرات حول آخر تطورات الذكاء الصناعي، والتحولات الحديثة في هذا المجال. والأغرب أن مشاركتها تميزت بالقدرة على التفاعل مع الحضور بطريقة طبيعية، وذكية، وأنها استطاعت أيضاً التعرف على الأصوات، والصور، والحركات بشكل دقيق، كما قدمت عروضاً تفاعلية مذهلة أثارت إعجاب الحضور.
ومن جهة أخرى تشير القمة إلى مدى أهمية الروبوتات، والذكاء الصناعي، ودورها المهم في مجالات العمل، والصناعة، والخدمات، وهي تحمل العديد من الفرص، والتحديات في المستقبل، حيث يمكن استخدام هذه التقنيات الحديثة لتحسين الكفاءة، والإنتاجية، وتخفيض التكاليف، وتوفير الوقت، والجهد في مختلف المجالات، وهي بالتالي ستغيّر من طبيعة وظائف البشر ليتحولوا إلى أخرى غيرها. كذلك فإن الذكاء الصناعي بات متداخلاً مع الإبداع ذاته من رسم، وتصوير، وتأليف موسيقي، وإنتاج نص أدبي، بينما السينما تعقد آمالها العريضة للاستفادة منه أكثر مما هو متاح لها الآن.
إلا أن حلولاً أخلاقية تتوافق مع المعايير الأخلاقية، والقيم الإنسانية تقف بباب هذا التطور العلمي الهائل، وتنتظر أن تظهر على الساحة لتحافظ على حقوق الأفراد، والمجتمعات من الغزو الآلي، وليتحقق بالتالي التوازن بين الفوائد، والتحديات، كما تخطي الصعوبات المستقبلية، أو بتعبير أدق المخاطر التي ستقع إذا ما انحرفت التوقعات عن مسارها، وأصبح العالم في مواجهة كوارث يمكن وصفها بالذكية يتسبب بها الذكاء الصناعي، وتستدعي معها إسعافاتٍ أكثر ذكاءً، أو دهاءً للتخلص منها، ودرء مخاطرها على البشرية.
وأذكر أنني منذ أكثر من عقدين من الزمن عندما بدأت بنشر سلسلة قصص الأطفال (روبو وعربو) لدى واحدة من أشهر مجلات الأطفال في الوطن العربي توقعت أن يصبح (الروبوت) بائعاً في متجر، وممرضاً في مشفى، وخادماً في منزل، وعاملاً في مصعد، وغير ذلك كثير، إلا أنني لم أتوقع أن يصبح في يوم ما سيداً على البشر لأنني كنت دوماً أنتصر للإنسان على حساب الآلة الصماء ولو كانت ذكية.. فما بالنا اليوم ونحن نشهد تبدل الأدوار في قمة، ومؤتمرات تخصصية، وأخرى صحفية تجلس فيها على المنصة روبوتات معدنية بوجوه شيطانية لتجيب عن أسئلة البشر وهم في مقاعد الحضور!.. فهل سيسلم هؤلاء البشر مصائرهم بأيديهم إلى تلك الآلات؟ وإن فعلوا فإلى أين ستذهب الآلات بتلك الأيدي الممدودة نحوها صعوداً في سلم الحضارة، أم هبوطاً؟
ستظل ساحة التساؤلات مفتوحة على كل الاحتمالات إلى أن يخوض الإنسان تجربته التي بدأها، ويعود منها إما رافعاً علامة النصر، وإما منكساً رأسه ندماً على ما اقترفه بحق نفسه.