الثورة – ترجمة ختام أحمد:
عندما تصاعد الصراع في أوكرانيا وبعد ثماني سنوات من العدوان الذي رعته منظمة حلف شمال الأطلسي باستخدام نظام كييف النازي الجديد، كان العديد من السياسيين والمثقفين الغربيين يستمتعون باحتمالية انهيار الاقتصاد الروسي جراء “الحرب الدولية الشاملة” التي انطلقت ضد روسيا.
مؤخراً صدر بيان عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يقول: “أداء الاقتصاد الروسي قوي”، والنتيجة تتعارض مع التوقعات السابقة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الذين اعتبروا أن العقوبات الغربية ستجثو على ركبتي الاقتصاد الروسي وتجبره على الانصياع لهم، وعلى عكس التوقعات الأوروبية فقد ساعدت العقوبات الغربية روسيا ببساطة على تعزيز الأسواق البديلة في الصين والهند وأماكن أخرى حول العالم وجعلت روسيا أقوى، وكان المصدر الرئيس لروسيا هو صادرات الطاقة من النفط والغاز، وحافظت على مبيعاتها المتزايدة إلى آسيا على الإيرادات على الرغم من خسارة الأسواق الأوروبية بسبب العقوبات الغربية.
يشير مايكل هدسون محلل الاقتصاد العالمي الأمريكي إلى أن العقوبات أجبرت روسيا على تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء وتصنيع الإنتاج والسلع الاستهلاكية، ويضيف هدسون إلى أن الاستراتيجية الجيوسياسية للولايات المتحدة تتمثل في استخدام العقوبات من أجل جعل حلفائها الأوروبيين المفترضين أكثر اعتماداً وخضوعاً لأمريكا.
جلين ديسن أستاذ الاقتصاد الجغرافي النرويجي، شبّه استخدام العقوبات الغربية بسلوك التدمير الذاتي المتمثل في “إيذاء الذات”، ويقول: إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد سلما سوقاً ضخمة لبقية العالم”.
ويقول ديسن أيضاً أن 85 بالمئة من سكان العالم يعيشون في دول لا تمتثل للعقوبات الغربية ضد روسيا وهذه الأغلبية العالمية تخلق أكثر من أي وقت مضى إشكالات جديدة من التجارة والتمويل وتتجنب السيطرة الغربية.
الدافع الرئيس لهذا التطور الإيجابي هو الضرورة الموروثة من إساءة استخدام واشنطن المنهجية للسلطة والامتيازات. كل هذه التداعيات بعيدة المدى وعميقة أكثر من الفوائد غير المقصودة التي تعود على الاقتصاد الوطني لروسيا.
ما تفعله العقوبات الغربية أيضاً هو تسريع تطوير عالم متعدد الأقطاب وزوال الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية.
إن نتيجة هذين الاتجاهين هي التضاؤل التاريخي للقوة الإمبريالية الأمريكية – وإن كان ذلك مع اندلاع العسكرة وإثارة الحروب لفترات طويلة.
في القمة الخامسة والعشرين لمنتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي (SPIEF) الذي انعقد الشهر الماضي، حضر الحدث الذي استمر أربعة أيام 17000 مندوب من حوالي 130 دولة.
وشهدت دعوة هذا العام حضوراً كبيراً من آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.
لم يعكس هذا الحدث الصاخب القوة الاقتصادية لروسيا فحسب، بل يعكس حقيقة أنه – بعيداً عن كونها معزولة ومضطهدة – ينظر إلى روسيا من قبل بقية العالم على أنها محرك للنمو ولعلاقات أكثر ازدهاراً متعددة الأقطاب، في الواقع ومن وجهة نظر معظم الدول يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين هم المعزولون والذين عفا عليهم الزمن.
أحد الحاضرين في SPIEF كان المحلل الصناعي الأمريكي دوغلاس أندرو ليتلتون الذي علق قائلاً: “العقوبات الغربية ضد روسيا جاءت بنتائج عكسية”.
وأضاف: “أنا سعيد لأن روسيا تمكنت من تجاوز العقوبات وتجنبها بعدة طرق مع أصدقائها وحلفائها”.
ما يحدث هنا ليس مجرد ظهور نظام بديل، ولكن تحول سياسي تاريخي وربما أخلاقي.
العالم يريد المزيد من العلاقات السلمية والمتبادلة من التعاون والتنمية، يريد معظم الناس على هذه الأرض وضع حد لا نهاية له لإثارة الحروب والنزعة العسكرية والتنمر من جانب واحد من قبل القوى التي حددتها نفسها بنفسها.
إن الكوكب يصرخ من أجل عالم يقوم على العدل والسلام.
ما يدركه العالم أكثر من أي وقت مضى هو أن الاستخدام الأحادي الجانب للعقوبات الاقتصادية من قبل واشنطن ليس سوى حرب وإرهاب دولة باسم آخر أكثر استساغة، فعلى مدى عقود حاولت الولايات المتحدة استخدام الأسلحة الاقتصادية لخنق وقتل الدول الأخرى، ويتبادر إلى الذهن كوريا الشمالية وكوبا وإيران والعراق وسورية والعديد من البلدان الأخرى حيث فرضت الإمبريالية الأمريكية ظروف الإبادة الجماعية الاقتصادية.
إن العالم يدرك جيداً هذا الإرث الشيطاني وقد سئم من البربرية الأمريكية التي تمارس بمساعدة أتباعها الغربيين في الناتو والاتحاد الأوروبي.
يجب أن نذكر هنا بشكل خاص سورية العربية التي تكافح من أجل التعافي من 12 عاماً من الحرب التي فرضتها عليها واشنطن وشركاؤها في الناتو.
اليوم، تتعثر سورية بشدة بسبب العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي… كم هذا حقير؟.
منهل ابراهيم, [22/07/2023 01:01 م]
ومع ذلك، هناك شعور تاريخي لا يخطئ بأن واشنطن قد واجهت أخيراً خصمها من خلال رفع العقوبات ضد روسيا واستدراج أتباعها في الاتحاد الأوروبي ليحذو حذوها، أطلقت الولايات المتحدة الآن العنان لعملية ديناميكية تاريخية لانهيار إمبراطوريتها.
لعقود من الزمان عملت العقوبات الأمريكية بدرجة شائنة على الدول الصغيرة المعزولة لفرض مشقة انتقامية بالفعل لكن ليس بعد الآن، فالثروة والاقتصاد الطبيعي الهائل لروسيا أكبر من أن يتم احتوائهما عسكرياً، خاصة بعد تغير الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في السنوات الأخيرة مع صعود الصين وأوراسيا بشكل عام.
من خلال محاولته غير الحكيمة لمحاصرة روسيا، لم يخلق الغرب سوى سيناريو تمرد من قبل بقية العالم من سيطرة الغرب الاستغلالية.
خمسة قرون من التطفل الغربي الأوروبي والأمريكي قد انتهى مسارها الآن، فالقوة الاقتصادية لروسيا تعمل على تحفيز بقية العالم للتخلص من قيود الهيمنة والقهر الغربيين.
اعتقدت النخب الأمريكية والغربية أن لديهم رخصة أبدية لحكم العالم ولإحداث الفوضى من أجل مكاسبهم الأنانية والآن ينقلب نهبهم الاقتصادي وأسلحتهم الآن على رؤوسهم، وكما هو الحال مع العديد من الإمبراطوريات الأخرى التي انهارت عبر التاريخ، كانت الهيمنة والغطرسة والقتل أحد أسباب السقوط.
المصدر – استراتيجك كالتشر