أديب مخزوم
الفنان كريم، لأنه ينشر القيم الثقافية والجمالية والحضارية والروحية من دون مقابل، وهو في أكثر الأحيان يصرف ويسخى على فنه، مما كسبه من أعمال أخرى، ولاشك هناك فنانون يبيعون كل ما يرسمونه، لكنهم قلائل جداً، ولقد وصلوا إلى النجاح بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحية في سبيل تقديم لوحة خاصة بهم. وهنا أتحدث عن الفنانين المبدعين الذين يعملون خارج إطار السوق الاستهلاكي التجاري، فمن يرسم لوحة حتى يبيعها فقط، ويصرف ثمنها في أول بار، يكفي أن يفرغها من كل محتوى فني وثقافي، وهذا العمل خارج إطار الإبداع والكرم الذي أتحدث عنه.
والمبدعون في شتى المجالات كرماء، فالكتابة في كل تفرعاتها (نقد، شعر ، رواية، قصة، سيرة ذاتية، صحافة، وغيرها) لا ترتبط بالمكاسب المادية فقط، بل بمدى قدرة صاحبها، على الاستمرار والتواصل، حتى في أحلك وأصعب وأقسى الظروف والأزمات الاقتصادية الخانقة، وهذا ينطبق على من يعملون في الإعلام المرئي والمسموع، ويحملون رسالة حضارية وثقافية ويعتبرونها فوق كل اعتبار.
والناقد أو الصحفي الذي يكرس كل سنوات عمره، في متابعة نشاطات الفنانين والأدباء ويكتب عنها، ولا يحصل إلا على نسبة ضئيلة جداً، لا تكاد تذكر، من حقه، فهو يؤكد أنه ولد صاحب رسالة، لا يستطيع أن يتخلى عنها، ولهذا يستمر في عمله من دون توقف أوانقطاع، ومن يقم بنشر كتاب أو عدة كتب على نفقته الخاصة، ويوزعها هدايا، يقم بصدقة أو بمكرمة ثقافية من نوع خاص ، بعيداً عن مظاهر الادعاء، والبهرجة الإعلامية، وهو يعمل بصمت، رافضاً كل ما يمكن أن يبعده عن دوره الثقافي والحضاري والوطني، أو يحد من مساهمته في خدمة الفن والأدب والثقافة العصرية المتجددة، التي تحتاجها الأجيال الحالية والمستقبلية.
التالي